اخر الاخبار

تعودت  في النصف الثاني من عام 1968 وبعد انقلاب  البعث الثاني، أن ازور  سجن بغداد المركزي لمواجهة ثلة من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي (القيادة المركزية) والمحكومين بالإعدام  نتيجة مشاركتهم في الكفاح المسلح الذي تبنته القيادة المركزية انطلاقا من ((هور الغموكه)) في أطراف الناصرية ضد حكومة عبد الرحمن عارف الرجعية، وهؤلاء  المناضلون الأبطال هم عبد الله شهواز زنكنة (أبو سعيد)، عبد الجبار علي الجبر (والذي بترت  يده اليسرى  في أحدِ المعارك)، علي بويجي، عقيل حبش، ومحمد حسين الساعدي (ابو سلام) وهو أيضا من المساهمين في انتفاضة معسكر الرشيد 3 تموز عام 1963 ضد  البعث الفاشي والتي سميت هذه الانتفاضة المسلحة باسم قائدها العريف الشهيد حسن سريع  .

تكررت زياراتي للسجن وفي إحدى الزيارات وقعت عيناي على سجين آخر، سألت عنه وعرفت انه المناضل الشيوعي مطشر حواس كان شابا في أوائل العشرين من العمر، طالب جامعي في المرحلة الأخيرة، متوسط القامة لكنه شامخ كشموخ جبالنا الشماء، نحيف الجسم لكنه ممتلئ الارادة والكبرياء، أسمر اللون كتربة العراق، ذو عينين واسعتين يشع منها بريق الامل والتحدي.

كان مطشر حواس طالبا نشيطا وشجاعا لا يهاب من أعدائه، محبوبا من قبل زملائه الطلاب ومعروفا من قبل أزلام النظام البعثي لنشاطه وحيويته بين الطلاب.

ألقي القبض عليه في ذلك الصيف من عام 1968عندما كان يحمل منشورات (الجبهة الطلابية الموحدة) التي تشكلت آنذاك من مجموعة من التنظيمات الطلابية للتصدي ومواجهة هيمنة الاتحاد الوطني التابعة للسلطة، حيث كانت مفرزة من الاستخبارات تلاحقه وبعد ان دخل في مواجهة مسلحة معهم أستطاع ان يقتل أحد عناصر المفرزة قبل الامساك به، وبعد محاكمة صورية حكم بالإعدام.

كان مطشر حواس في سجنه هادئ الطبع، رابط الجأش، متماسكا، صلبا هذه الصفات التي عرف بها أغلب الشيوعيين في أيام المحن والصعاب .

ترك مطشر رسالتين (لا زلت ابحث عنهما) بخط يديه دونهما في دفتر للخواطر يعود للمناضل عبد الله شهواز زنكنة والذي ربطته علاقة حميمة مع الشهيد مطشر بالرغم من قصر الفترة التي عاشوها سوية في غرفة الإعدام، يقول مطشر في الرسالة الأولى هذه الكلمات التي بقت في الذاكرة، ((وهل غريب علينا نحن الشيوعيين ان تكون منابرنا أعواد المشانق وموسيقانا أزيز الرصاص ومأوانا السجون))، وفي الرسالة الثانية ترك رأيه وانطباعه حول آخر كتاب قرأه، وهو رواية ((شجرة اللبلاب))، للكاتب المصري محمد عبد الحليم عبد الله حيث كتب مطشر حواس  بشفافية عالية حول تلك الرواية وتقييمها لما فيها  من حس وعلاقة إنسانية بين حبيبين وتركت في نفسه مشاعر وأحاسيس جميلة.

آه يا مطشر من أية طينة جبلت، كيف يستطيع إنسان ان يعيش تلك اللحظات، بهذا الهدوء وتلك الصلابة ويعرف انه سوف يعدم في أية لحظة ويعطي من خلال ذلك أروع الدروس بالمثل الثورية بلا شك انه ملهم ونجم هاد للكثير من الناس.

وفي زيارتي الأخيرة للسجن وكانت بداية كانون الثاني 1969، فوجئنا بعدم وجود مطشر وعرفنا انه أعدم يوم 5 كانون الثاني 1969 ليكون مطشر حواس أول شهيد شيوعي يحكم بالإعدام وينفذ فيه من قبل النظام البعثي المجرم في انقلابه الثاني.

تسامي مطشر حواس شهيدا ليكون نجمة في سماء الوطن لينير ليل العراق الدامس، صعد الى المشنقة بكبرياء وشموخ الشيوعيين حيث كان يسير وهو يردد بصوت عال نشيد الأممية ويتضامن معه في الإنشاد رفاقه الآخرون من غرف الإعدام وفي لحظاته الأخيرة هتف مطشر حواس بحياة الحزب الشيوعي العراقي.

نم قرير العين ايها الشهيد البطل ونحن سنواصل المسير بذات الطريق الذي نذرت نفسك فيه من أجل وطن حر وشعب سعيد.

المجد والخلود لك ولكل شهداء حزبنا الشيوعي العراقي

عرض مقالات: