اخر الاخبار

في الدعاوى المقامة امام المحكمة الاتحادية العليا يبادر الممثل القانوني لرئيس مجلس النواب وفي اول دفع يقدمه للمحكمة طالبا عدم قبول الدعوى لعدم تحقق المصلحة في الدعوى المقامة ضد موكله ، هو يستند في ذلك على ما استقر عليها التشريع  والقضاء والفقه من ان عدم تحقق المصلحة  يمنع  قبول الدعوى . فما هي المصلحة التي بغيابها لا تقبل الدعوى؟ او نعيد السؤال ذاته بصيغة اخرى: ما هي المصلحة التي قصدها المشرع وجعلها مدعاة لقبول الدعوى؟ ان الاجابة على هذا التساؤل يجد ضالته في الجهد المبذول من قبل فقهاء وشراح القانون اذ وضعوا تعريف للمصلحة وقالوا أنها: (الباعث على رفع الدعوى، او هي المنفعة التي يحصل عليها المدعي من التجائه للقضاء)، وتعريف اخر يقول: (الفائدة التي تعود على رافع الدعوى من الحكم له بطلبه وعدم وجود هذه الفائدة يوجب رد دعواه). اما القضاء وفي العديد من احكامه فقد قضى بان : ( المدعي يجب ان يكون ذا صفة وذا مصلحة في الدعوى طول مدة مباشرتها واذا فقدت المصلحة في الدعوى وفي اية مرحلة من مراحلها تصير الدعوى غير مقبولة  وغير مستكملة شرائطها القانونية ... ) .

يلاحظ ان المرجعية التشريعية للفقه والقضاء في موضوع المصلحة هو نص المادة 6 من قانون المرافعات المدنية التي تنص على: (يشترط في الدعوى ان يكون المدعى به مصلحة معلومة وحالّة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو الى التخوف من الحاق الضرر بذوي الشأن). ومعلوم ان المحكمة الاتحادية العليا ملزمة بتطبيق هذا النص كونه جزء من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل الملزمة بتطبيقه طبقا لحكم المادة 19 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا . وهذا يعني ان المشرع اضاف الدعوى الدستورية لنطاق سريان قانون المرافعات المدنية الذي يشمل اصلا الدعاوى المدنية والتجارية والاحوال والمواد الشخصية.

ومن قراءة المادة 6 من قانون المرافعات المدنية وما قاله الفقه والقضاء عنها ان المدعي يجب ان يكون ذا مصلحة في رفع الدعوى ،  فالمصلحة شرط لصحة الدعوى فلا دعوى من غير مصلحة لكون الاخيرة مناط الدعوى والفائدة المتوخاة منها  . وهنا يجب التفريق بين المصلحة المقصودة في قبول الدعوى  والحق ذاته لان الفائدة هنا تنزع نحو حماية الحق او اقتضائه وهنا يتجسد الفرق بينهما فالهدف من المصلحة هو جني ثمرة الحق والحصول عليه وهذا شرط قبول الدعوى وهو غير شرط الحق ، ويضربون امثلة عدة حول هذا الموضوع منها على سبيل المثال : ( الدائن والمرتهن  ، والمصلحة الاقتصادية في عقد الشراكة  ، او ان يبني جار على ارض جاره ويطلب الاخير ازالة البناء وأعسار المدين وتحديد قيمة الدعى بغية استيفاء الرسم عنها والبدل سواء كان من المكيلات او الموزونات او النقود واسباب ملكية العين ) وغير ذلك من عديدالامثلة الزاخرة بها كتب الفقه والاحكام القضائية .

ومن خلال ما تقدم يلاحظ طغيان القانون الخاص على النص التشريعي للمادة 6 اعلاه وعزز هذا الطغيان الموروث الضخم للتطبيقات القضائية والمدونات الفقهية التي تعاملت معه بهذه الصفة وبهذه الوظيفة . ولما كان هذا النص القادم من حنايا القانون الخاص  مفروض تشريعيا على القاضي الدستوري بموجب احكام النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا فجعلته يتعامل مع المصلحة هذه  بعقلية قاضي البداءة وليس بعقلية القاضي الدستوري . في حين ان الدستور مادة القضاء الدستوري ووظيفته وهو يقع ضمن نطاق الفانون العام  ، ومعلوم مدى الفرق الواسع بين القانون الخاص والقانون العام على اساس اطراف العلاقات القانونية ، فالقانون العام يتعلق بالدولة وعلاقاتها مع الافراد او بالدول الاخرى في حين ان القانون الخاص يرسم العلاقة بين الفرد وعلاقته بغيره من الافراد . 

وضمن هذا الفهم تصبح التفرقة واجبة بين المصلحة التي يقصدها القانون الخاص المتمثلة في النزعة الفردية والمصلحة التي يقصدها القانون العام (الدستور) التي تعود بمرجعيتها للدولة والبناء المؤسسي لها وما ينتج عنها من اثار تتعلق بالمواطنين في حقوقهم وحرياتهم ومستقبلهم اي يجب ان تقصى النزعة الفردية من المصلحة في القانون الدستوري.

خلاصة القول ان المصلحة المقصودة في الدعوى الدستورية لها احكامها الخاصة من حيث الوظيفة والاشخاص ولا يمكن تقزيمها بمعايير وادوات النزعة الفردية وكان حريّ بالمشرع ان يضع نصوصا خاصة بالمصلحة في الدعوى الدستورية تنسجم واحكام الدستور خاصة المشرع قد اقر في المادة 19 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا  بان  للدعوى الدستورية احكامها الخاصة التي تقيد اوتوقف او تلغي الاحكام الواردة في قانون المرافعات المدنية  . وهنا كان على القاضي الدستوري ان ينشيء المبادي والقواعد التي تنسجم وعمل المحكمة الاتحادية استنادا لاحكام الدستور ولحين ادراك المشرع لتلك المباديء والقواعد من الوجهة التشريعية.

عرض مقالات: