اخر الاخبار

 درج القول في الشارع العراقي، وفي الإعلام وربما الرسمي منه كلمة (الرئاسات الثلاث) حتى غدا وكأنه (مصطلح) لغوي له دلالته ومفهومه... وإذا كان ذلك له جذر في الدستور النافذ، فان ذلك وباعتقادنا الخاص من الأخطاء البنيوية في أسس تشكيل الدولة ونظامها، والتي أريد لها أن تكرس تعدد المرجعيات الهرمية والتسلسل الاداري، وربما تشتتها... فمن المعروف في الأنظمة العالمية إجمالاً أن للدولة رأسا واحدا وينطبق الحال على كل كيان وجسد...  ففي الوقت الذي نصت فيه المادة / 67 من الدستور على أن (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويمثل سيادة البلاد...) وحددت المادة / 72 ولايته بأربع سنوات وجواز انتخابه لولاية ثانية وحسب...  عادت المادة / 80 لتمنح رئيس الوزراء صلاحية تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة... ليغدو معها منصب رئيس الجمهورية (الأول) تشريفياً واحتفالياً...  الرئاسة الثالثة هي رئاسة السلطة التشريعية، واذ حدد الدستور السلطات (الاتحادية بأنها تتكون من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات... م/ 47). ومع أن الدستور نص على (مبدأ الفصل بين السلطات) وهو مبدأ تعتمده غالب الدساتير الحديثة، إلاّ أن العمل على أرض الواقع بعيد كل البعد عن مضمون هذا المبدأ. فاجتماعات (الرئاسات الثلاث) في ما بينهم أكثر من اجتماعاتهم بمرؤوسيهم، واتفاقاتهم وربما (صفقاتهم) التي قد تستند إلى مرجعيات أخرى (تدير) العمل السياسي بمعزل عن (مبدأ الفصل(  واذا كان ذلك مدخلاً لموضوعنا، الذي يتمثل بحضور (رئاسة) أخرى، وهي رئاسة مجلس القضاء الأعلى إلى جانب (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب)، فان الصورة تبدو أكثر ضبابية ومأساوية... فإن كان (الرؤساء الثلاثة) تحكم انشطتهم وفعالياتهم و(اجتماعاتهم) أهواء سياسية وتيارات حزبية ومعطيات داخلية وخارجية إقليمية ودولية، وربما أسندوا كل ذلك أو بعضاً منه إلى تحقيق مصلحة معينة قد يُطلق عليها (مصلحة عليا) أو تكتيك مرحلي أو آني على حساب استراتيجية، أو خطة بعيدة المدى...  فالقضاء متمثلاً برئاسته ورئيسه، يجب أن يبقى بعيداً عن تلك الفعاليات و(التفاهمات) القضاء مستقل، وتصدر احكامه وفقاً للقانون (م / 87 من الدستور)، ولا سلطان عليه إلّا سلطان القانون. وليس الاجتماعات، والمصالح (أيا كانت). بل أن القضاء مطالب بمراقبة أداء السلطات الأخرى، ومدى توافق فعالياتها وأحكام القانون. القضاء لا يرى إلّا من خلال القانون، بروحه ومبناه... وعندما يشكل فعل ما خرقاً للقانون؛ فالقضاء ملزم بالحكم (يقضي) وفقاً لتكييف الفعل، إن كان مخالفة أو جنحة أو جناية بقطع النظر عن الباعث الدافع سواء كان سياسياً أم جنائياً - مع أن هامش (الباعث الدافع) في القضاء العراقي محدود جداً. وهنا نعيد التأكيد الاستفهامي حول حضور رئيس مجلس القضاء اجتماعات الرئاسات الثلاث، وحل الاشكالات التي تحدث إن كان بطريقة (التفاهمات) أو بالطرق الودية أو البروتوكولية وربما الدبلوماسية؟  

عرض مقالات: