اخر الاخبار

أشار كارل كلاوزفيتز (1780 - 1831) المفكر الستراتيجي العسكري البروسي الى مقولة مفادها “ان الحرب استمرار للسياسة بأساليب أخرى” وهذا يعني بأن لكل تحرك وعمل عسكري أهداف سياسية.

الحروب التي جرت في التاريخ، وما يجري الان بين روسيا وأوكرانيا لا يخرج من أطار هذه المقولة الشهيرة لكلاوزفيتز، ولكن القضية الاساسية التي يجب معالجتها وتوضيحها للرأي العام العالمي من قبل الشيوعيين هي الاسباب الحقيقية لما يجري الآن بعيدا عن الخطاب الرسمي للأطراف المتنازعة والمتحاربة.

تاريخياً لم تندلع الحرب العالمية الأولى بسبب اغتيال الارشيدوق النمساوي فرانز فرديناند ولي عهد الامبراطورية النمساوية الهنغارية في 28 حزيران 1914، بل بسبب التناقضات والصراعات بين البلدان الرأسمالية ومساعيهم لتقسيم الأسواق العالمية.

أشار لينين في مؤلفه الشهير “افلاس الأممية الثانية” (1880ــ1916) بوضوح الى الاسباب الحقيقية للحروب الرأسمالية، والتوجه نحو استعمار البلدان في الحرب العالمية الأولى، كما اشار الى موقف بعض أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الذين اصطفوا مع حكوماتهم البرجوازية وأيدوهم في الموقف من الحرب، مما أدى الى انهاء الاممية الثانية.

ان المهمة الاساسية التي تواجه الاحزاب والقوى السياسية الشيوعية والاشتراكية اتخاذ موقف واضح مناوئ للحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا، وعدم الاصطفاف مع أي طرف من أطراف النزاع، باعتبار ما يجري حرب غير عادلة بين أطراف رأسمالية، والعمل على توضيح الاسباب الحقيقة للحرب للجماهير الكادحة والطبقة العاملة والبشرية جمعاء، واسترشاف المستقبل عبر طرح البدائل التي تضمن السلام العالمي وتوحد نضال الشعوب ضد الرأسمالية ومن أجل الاشتراكية.

ان هذه المهمة تتطلب تحليل مجمل الوضع القائم والتطورات الاساسية التي حصلت في المجتمع الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ودق طبول القطب الواحد من قبل الرأسمالية، وتصوير الامور في إطار نهاية التاريخ واعتبار الرأسمالية الحالة النهائية والسرمدية لمستقبل البشرية، والتعامل مع النموذج الامريكي والليبرالية الجديدة كسقف أساسي لا يمكن تجاوزه.

غير ان تطورات الاحداث بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وخلال العقود الماضية اتجهت في أطر أخرى ومتغيرات مختلفة يمكن ايجاز بعضها بما يلي:

ــ تجاوز روسيا فترة يلتسن وتمكنه من فرض الاستقرار الداخلي وخاصة في الشيشان.

ــ السعي الحثيث لروسيا لإعادة هيبته في السياسة الدولية.

ــ نمو الصين من الناحية الاقتصادية وتأثير ذلك على السياسة الدولية كقوة عظمى.

ــ تبلور قوى اقليمية كأقطاب فاعلة في إطار مناطق نفوذها كتركيا على سبيل المثال وتدخلاتها في ليبيا وسوريا وفي الخلاف بين اذربايجان وتركيا، والنفوذ الايراني في كل من لبنان والعراق واليمن.

ــ عودة نفوذ روسيا في السياسة الدولية وتجلت في دعمها لنظام الاسد والحفاظ على توازن القوى في سوريا، ونجاحه في مسألة القرم وودعمه لاستقلال ابخازيا واوسيتيا في النزاع مع جورجيا.

ــ فشل السياسة الامريكية وتعاملها مع ملف العراق وافغانستان وملف الشرق الأوسط بشكل عام.

ان النقاط الواردة اعلان تشير الى تراكمات كمية مع امكانية تحويلها الى تراكم نوعي يتمثل في الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا والتي تتجسد في انهاء القطبية الواحدة في السياسة الدولية والتحول الى التعددية القطبية في إطار الرأسمالية.

ومن الممكن ان نتساءل لماذا تجسد هذا التحول في إطار النزاع الحاصل بين روسيا واوكرانيا؟

تعاني أوكرانيا من اشكاليات كبيرة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وتطورت الامور في عام 2014 باتجاه آخر تمثَّل في التوجه نحو الاتحاد الاوروبي والسعي لدخول حلف الناتو وعدم اعطاء الحكم الذاتي لمنطقتي دونيتسك ولوهانسك حسب اتفاقية مينسك. وبهذه الشاكلة كانت أوكرانيا الحلقة الأضعف في سلسلة التناقضات داخل القوى الرأسمالية الدولية ومحاولة هيمنة أقطابها، لتشكل بداية الحرب الحالية تحولاً نوعياً في السياسة الدولية نحو التعددية القطبية، ولكن في إطار الخيارات الرأسمالية المتناحرة فيما بينها.

بعد دق طبول الحرب وجَّه حزبنا الشيوعي الكوردستاني ومن خلال قرآءته للنزاع والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وما يتعلق بخلفية الاحداث والمشاكل التناحرية المستعصية، رسالة الى الاحزاب الشيوعية والعمالية الشقيقة لأجل صياغة موقف موحد من الحرب الدائرة والعمل المشترك للقيام بفعاليات وطنية وعالمية ضد الحرب ومن أجل السلام، وتجنب الاصطفاف مع أي طرف من الاطراف المتحاربة التي تتجاوز روسيا وأوكرانيا لتشمل كافة المتورطين الآخرين من المراكز الرأسمالية والولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو، والتأكيد بأن ما يجري شكل آخر من الحروب غير العادلة بين المراكز الرأسمالية المتناحرة بما في ذلك ادارة بوتين التي تمثل الرأسمالية الروسية.

وقد تمخض عن هذه المبادرة صياغة بيان مشترك من قبل أكثر من ثلاثين حزباً من الاحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، جرى فيه تجريم الحرب الدائرة باعتبارها حرباً امبريالية لا يمكن تبريرها بحجة “الدفاع عن النفس” كما تدعي ادارة بوتن، و“الدفاع عن الديمقراطية” كما تدعي الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو، أو العمل من أجل توسيع حلف الناتو بحجة “حرية اختيار التحالفات” كما تدعي حكومة أوكرانيا. وقدًم البيان الرد المناسب حول تهجم بوتين على موقف لينين أثناء بناء الاتحاد السوفيتي والتعامل مع أوكرانيا السوفيتية.

ورغم وضوح موقف حزبنا الشيوعي الكوردستاني المعادي للحرب والداعي الى درءه والعمل من أجل السلام، لم نستغرب من أصوات النشاز التي تريد تشويه موقف حزبنا رغم معرفتهم الأكيدة بان الدولة الروسية الحالية ليست الاتحاد السوفيتي السابق وان الحرب الحالية ليست بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، غير ان تلك الاصوات تريد كلما سنحت الفرصة لهم بأن يجددوا ولائهم للمراكز الرأسمالية في الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو، في حين يعلن حزبنا بكل اعتزاز مناوئته لكافة المراكز الرأسمالية العالمية سواء في الولايات المتحدة الامريكية أو في الاتحاد الروسي أو في الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو، كما يجدد اعتزازه وديموته في خندق كافة القوى المناوئة للرأسمالية المتوحشة وسياساتها الليبرالية الجديدة.

ــــــــــــــــــــــ

* سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني

عرض مقالات: