اخر الاخبار

تكتسب قضية المرأة في العراق اليوم، أهمية استثنائية لإرتباطها الوثيق بالصراع من أجل اعادة تشكيل الدولة ولتناغمها مع السبل التي يمكن أن تكفل تخليص البلاد من الكارثة التي وقعت فيها، إثر الاحتلال وبعد هيمنة قوى المحاصصة والفساد على السلطة والثروة، فالحرية التي حلم بها العراقيون، ستبقى مزيفة دون تحرر نصف المجتمع من عبوديته، والديمقراطية التي ضحوا بالكثير من أجلها، ستظل ديمقراطية مختلة العقل وميتة القلب، إن لم تضمن مساواة المرأة بالرجل، مساواة حقيقية لا لفظية، ولا يتحقق التغيير الشامل بدون دور فاعل وأساسي للمرأة.

 

جذور طبقية

ويرتبط المدخل لفهم قضية المرأة في العراق، بمعرفة الظروف التاريخية لها، فقد كانت البلاد من أقدم بنى الدولة الطبقية، التي أوجدت القيود المجتمعية للنساء، فيما جاءت قرون من الظلمة سادت فيها القيم البدوية التي تُعّظم المقاتل وتحتقر الضعف الجسماني، قبل أن تسود الأفكار المتطرفة والفاشية في المجتمع، الى الحد الذي صارت معه المرأة بضاعة ممقوتة، في سوق يتعامل مع وجودها كبلاء لا دافع له! 

غير إن الدور التنويري الذي لعبته المنظمات الثقافية والأحزاب الوطنية والمؤسسات التعليمية وبعض المرجعيات الدينية وغيرها، قد أدى لحدوث تطورات إجتماعية هائلة، أضعفت، وعلى مدى عقود، هذه الثقافة المتخلفة، وأبدلت الكثير من مفرداتها بقيم جديدة. وبسبب قوة القيم البالية وطول مدة مكوثها فعالة في المجتمع، بقي الكثير منها حياً في النفوس وقادراً على إستعادة نفوذه إن توفرت الأرضية لذلك.

تحجيم حقيقي

ولهذا ما زالت هناك معاناة حقيقية من الثقافة الذكورية، وبشكل خاص تلك الإوهام التي تحّجم من قدرات النساء على تبوء مواقع المسؤولية، حيث تشير دراسة ميدانية نشرتها وزارة التخطيط العراقية الى أن مشاركة المرأة في سوق العمل لا تتجاوز 9.2 في المائة وإن 21 في المائة من النساء فقط مستعدات للعمل. وبينت الدراسة ان النساء تعيل 10.7 في المائة من العوائل، وهي النسبة التي تكون أكبر في الريف مما هي عليه في المدينة. وفيما انتقد البنك الدولي هذه المشاركة المحدودة (التي تصل الى ربع المعدل العالمي، وأقل حتى من المعدل العربي المعروف بمحدوديته والبالغ 18.4 في المائة) وذكرت بيانات وزارة التخطيط لعام 2018 وجود وزيرة واحدة (أي بنسبة 4 في المائة) وامرأة واحدة في منصب مدير عام مقابل كل تسعة رجال، وبلوغ النشاط الاقتصادي للعراقيات 13.5 في المائة مقابل 72.3 في المائة للرجال، فيما لا تتعدى مساهمة المرأة في وزارة الداخلية مثلاً نسبة 1.25 في المائة، ولم تحصل أية سيدة هناك على اعلى من رتبة “رائد”!

العنف والزواج المبكر

كما بينت الوزارة ان ربع الفتيات العراقيات يتزوجن قبل بلوغ سن الرشد، وان نصفهن يتم تزويجهن في سن الطفولة. وإذ يعد الزواج المبكر وتزويج القاصرات سبباً في فشل الحياة الزوجية، أشارت دراسة وزارة التخطيط الى وجود أكثر من ربع مليون مطلقة وان نصفهن قد أخترن الطلاق بأنفسهن!

كما كشفت الدراسة عن تعرض إمرأة عراقية من كل ثلاث نساء لنوع من أنواع العنف (29 في المائة)، حيث بلغ العنف الجنسي نسبة  1.8 في المائة والجسدي 3.6 في المائة والاقتصادي 22 في المائة واللفظي 11.7 في المائة. 

تقدم علمي رغم الصعاب

وإذا كان تحدي النساء للصعاب مقتصراً على عدد محدود في الأجيال السابقة، فإن أفواجاً جديدة من الأجيال الشابة تجترح مأثرة التحدي اليوم، لاسيما في المجال العلمي والأكاديمي، حيث تتقارب اعداد الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات وحتى في مجالات الدراسات العليا، وحيث زاد استخدام المرأة للأنترنيت لتصل الى 40 في المائة مقابل استخدام 60 في المائة من الرجال له. كما تحسن الوعي الصحي بين النساء وزاد اهتمامهن بتنظيم الأسرة وبأساليب تربية الأطفال.

المزيد من العمل

وبديهي أن خلاص النساء، وإن كان جزئياً، من مشاعر الإستسلام والرضوخ للدور النمطي ولأكذوبة الفوارق في الطاقات والإمكانيات وللأردية “المقدسة” التي يسعى المتخلفون الى حجب التمييز الجندري بها، سيحفز وبقوة كل المؤمنين بالدولة المدنية الديمقراطية، ويدفعهم لتبّني قضية المرأة، مساواتها بالرجل، حقوقها، حريتها، تعلمها، مساهمتها الفاعلة في بناء الدولة وإنجاز التغيير الشامل، فالموقف منها يحدد ـ كما قال ماركس ـ درجة تحوّل سلوك الإنسان الفطري الى سلوك إنساني، لاسيما وهي تعاني من اضطهاد مزدوج، طبقي وجندري. 

كما لابد من الإشارة، سياسياً الى الحاجة لسن القوانين، التي تضمن للمرأة المساواة، وتمّكنها من التمتع بحقوقها الكاملة في التعليم والصحة والعمل وتبوء المواقع القيادية والأجر المتساوي، والحصول على حصتها من الخيرات المادية والثقافية في المجتمع. كما لابد من اقرار استراتيجية لمناهضة العنف الأسري وتجريمه، وحماية النساء من الخوف والتهميش والنظرة الدونية.

ويتطلب الأمر اجتماعياً وثقافياً، تطبيق استراتيجية لتغيير الصورة النمطية والفكرة المتجذرة في العقل الجمعي، وتجريم التمييز الجندري، وأخيراً تحرير وعي المرأة لتمتلك حريتها ولا تقبل بالتخلي عنها مهما كانت الصعاب.

عرض مقالات: