اخر الاخبار

انا يا أمي لم يسمعني أحد،

انا يا عالم لم يسمعني أحد،

انا مغلق محبوس قابع تحت جسدي، انا مرغم على السكوت..

انا مَن لم يسمعني أحد سوى أمي ومَن لم يفهمني أحد سوى أمي، مَن يفهمني من عيوني كان أمي، ومَن ترجمت نبض قلبي الى كلمات هي أمي.

أنا لم أتمكن من البوح لأحد ولم أتمكن من القيام بحوار مع أحد، رغم انني أشعر وأفهم وأفرح وأتألم لكن لم يكن يعرف أحد، وما أن صرخت احتجاجا على نفسي وعلى قوقعة جسدي، وعلى كومة بشر لا يشعرون أن هناك روحا داخل هذا الجسد، أسكتوني، قمعوني بأدوية كي انسى انني أصلا على قيد الحياة، انني أصلا على قيد حياة لم تكن لي يوما ولم أكن فيها شيئا سوى أنني حبيب أمي.

انا لا أرى نفسي جميلا في المرآة كما في عيني أمي، أمي تقول أنني أجمل شخص على هذه الأرض، وفي لغة خاصة بيني وبينها لا يفهمها أهل هذه الأرض، سألتها كيف ترينني انا الأجمل، قالت يا ولدي أنت الأنقى، أنت من لم تؤذِ أحدا بحياتك، أنت الذي يحمل حبا لكل البشر، أنت الذي لم تنل حقا من حقوقك في هذه الحياة، أنت الذي لم تستطع كره من آذاك ولم تمقت البشرية بسبب من سخروا منك. وما زلت تقدم ما امتلكت من الحب والعون كلما استطعت ولأي كان. دع المرآة تتحدث يا ولدي، دعها تعكس صورة جمالك أمام بشاعة هذه الأرض، فأنت الشمس التي لم يتمكن من رؤيتها أحد، أنت وأمثالك وجه الله على هذه الأرض الذي لا يراه إلا الأنقياء.

انا لم أكن يوما قبيحا او مشوها، انا مختلف فقط، لم أتمكن من النطق والحديث كما باقي الأطفال، عيوني تنظر بطريقة مختلفة، وقد أسير مختلفا عنكم، أأكل بطريقة لا تعجبكم واقوم بأموري اليومية بطريقة لا تعجبكم وأحيانا أمنح جسدي حرية التصرف كالأطفال، أقفز وأضحك وأركض وأرقص وأهرب دونما سبب كما تقولون انتم. لكن الأسباب كثيرة كما أشعرها انا.

انا ولدت بعلة كما تسمونها، وإن كان الامر لي لأسميتها نعمة، كل ذنبي أنني طفل لن يكبر مهما عاش من سنوات ومهما كثرت ادعاءاتي بأني كبير، ذنبي أنني طفل عالق داخل جسد رجل لا يتحدث، ذنبي أنني في غاية البراءة والصدق، خال من كل زيفكم وخدائعكم، ذنبي أنني الأنقى بطريقة لن تتخيلوا وجودها. لم يتمكن طبيب من علاجي، لم يتمكن طبيب من جعلي اشبهكم، انا لا أرغب أن اشبهكم، انا أفضل منكم، انا وأمثالي أفضل منكم، بل ربما نحن اختباركم الذي تفشلون به كل يوم.

انا يا أمي أحلامي كثيرة وكبيرة، وأعرف أنني ارهقك بها كل يوم محاوِلةً فهم مخارج حروفي واصواتي الغريبة، التي استخدمها حين أشرح لك افكاري وامنياتي ومخاوفي وقلقي ويأسي وعودة لآمالي الكبيرة، وأعرف يا امي كم يملؤك الحزن حين أضع أصابعي على وجهك المبتسم لي واحركها على عينيك وباقي وجهك، فتمر على شفتيك حيث تقبلين أصابعي وراحة يدي، أشعر بحزنك يا أمي حتى وأنت تدعمينني كل يوم وتستبقين معي أحلامي لمستقبلي الجميل وتداعبين ثنايا فرحي بعباراتك عن الحياة التي تنتظرنا انا وزوجتي وأحفادك، فأنا مثل غيري من الأطفال احب أن احدث امي عن المستقبل حيث ستكون أمي جدة لأطفالي وتحبهم كما تحبني فهذا الحديث يفرح الأمهات، واحب ان أشاركها حلمي باني سأصنع شركاتي واصبح غنيا وسأدللها محاوَلةً مني بالعرفان لها كي تعرف اني لن أنسى تعبها وتضحيتها. ربما أعلم في داخل صمتي أن الحياة قد لا تحقق تلك الأحلام وستبقى مجرد أحاديث رقيقة تسودها المحبة نتبادلها انا وأمي، لكني اكررها كل يوم كي تفرح هي وتعلم بأنني لن اتخلى عن الأمل كما تحبني دوما ان أكون.

يا عالم اقرأ كلماتي قد لا تسمع صوتي، انا لست وحدي انا وأمثالي كثيرون على هذه الأرض، ربما اغادركم دون ان احقق أحلامي واقضي كل سنواتي على قارعة الحلم، لكن غيري أسوأ مني حالا، ربما لم تؤاتهم حتى فرصة الحلم، ربما لم يحظوا بأمي، ربما لم يحظوا بمن يسمع أصواتهم عبر قوقعات أجسادهم ربما انهالت عليهم ضربات العالم والمجتمع وحتى أهلهم.

يا عالم اسمعني ربما اتيحت لي الفرصة لأصرخ واُسمِع حروف صوتي، انا وأمثالي رمز انسانيتكم، وجدانكم، ماهيتكم، نحن انا وأمثالي ببساطة انعكاس لكم، كيفما كان حالنا فهو مرآة دواخلكم، نحن درسكم الأصعب واختباركم في هذه الحياة

إن كان ينقصنا الكثير فهذا رمز عطاؤكم

إن كنا نعاني الرؤيا فهذا نقص بصركم

إن كنا بلا صوت فهذا رمز صممكم

إن كنا لا نتحرك فهو فحوى إرادتكم

طوبى لمن أعطى وأبصر وسمِع وغيَّر

نحن فئة مجتمعية مركونة في سراديب جشعكم لا يعلم ولا يفقه بنا أحد.

عرض مقالات: