اخر الاخبار

استذكر اليوم كيف احتفل الشيوعيون في الخارج بمناسبة الذكرى (45) لتأسيس حزبنا الشيوعي العراقي عام 1979 في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، هو أول احتفال مركزي مهيب يقيمه الحزب خارج العراق بعد كارثة الانقلاب الدموي البعثي الأسود على حزبنا الشيوعي العراقي، والذي راح ضحيته الآلاف من الشيوعيات والشيوعيين.

أقيم هذا الاحتفال في أكبر قاعة في عدن، هي قاعة المسرح الوطني، وقد كان هذا الاحتفال رسمياً بامتياز، حيث غصت القاعة بمئات الحضور من المدعوين، وفي مقدمتهم قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، وسفراء البلدان الاشتراكية، والسفراء العرب المعتمدين في عدن.

في ذلك الوقت كنت انا محرراً في صحيفة (الثوري) لسان حال اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني.

بدأ الاحتفال بكلمة حزبنا الشيوعي العراقي، القاها الرفيق الشهيد الدكتور توفيق رشدي، أستاذ الفلسفة في جامعة عدن.. الذي دفع ثمنها غالياً، فقد اغتالته عصابات الجريمة والغدر البعثية التي تربت وتدربت على تنفيذ مثل هذه الجرائم البشعة منذ عام 1963 وحتى سقوطها في مزبلة التاريخ عام 2003، اغتاله اثنان من هذه العصابات المزروعة في كل سفارة من سفارات البعث الأسود في دول العالم. فقد كشف هذان المجرمان في محاكمة علنية وحضور عام للناس في قاعة المحكمة، ونقل تلفزيوني تفاصيل جريمتهم، وراح القاتل يشتم صدام، ويصرخ (بأنه عبد مأمور) لصدام واتباعه، وعلى إثر هذه العملية الخسيسة أغلقت السفارة العراقية، وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين بغداد وعدن.

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن المدة التي تفصل بين إقامة الاحتفال في 31/ 3/ 1979 وتنفيذ الجريمة لا تزيد على الشهرين ونصف. ولكن كل هذه الجرائم والابشع منها لن تثني الشيوعيين من مواصلة نضالهم البطولي وتضحياتهم من أجل شعبهم وصولا إلى الوطن الحر والشعب السعيد.

ومن بين الكلمات التي القيت في هذا الاحتفال وأثارت الانتباه كلمة السفير الفلسطيني عباس زكي، سفير فلسطين في عدن وعميد السلك الدبلوماسي العربي في جمهورية اليمن الديمقراطية آنذاك- الذي استعرض فيها السفر الخالد لنضال الحزب الشيوعي العراقي، وتوقف عند قرار الأمم المتحدة عام 1948 القاضي بإقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية، وموقف الحزب الشيوعي العراقي منه، وأشار إلى اننا – كما قال- كفلسطينيين نناضل ونضحي اليوم وغدا من أجل إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وهذا ما أراده الحزب الشيوعي العراقي ورؤيته لحل قضيتنا قضية الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ.

في الحفل الفني كانت المفاجأة السارة، فقد ظهر الفنانان الكبيران حميد البصري وشوقية العطار وفرقتهما الفنية “فرقة الطريق” وبعدهما ظهر الفنان الكبير والمتألق دائما فؤاد سالم، وكذلك قدم الفنان المتألق جعفر حسن وفرقته فرقة (أشيد)، و( أشيد) تعني اتحاد شبيبة اليمن الديمقراطية، فقد أبدع بأغنيته (يابو شاكوش) كما يقول اليمنيون، واغنية “يابو علي” بين الناس، وسرعان ما حفظهما اليمنيون وخاصة الشباب منهم، وكذلك حضر الفنانان الرائعان كمال السيد وسامي كمال، فقد غنوا جميعهم أغاني الحزب والناس التي انبهر بها الحضور من اليمنيين والعرب وغيرهم.

هذه الإمكانيات السياسية والفكرية والثقافية والفنية صارت موضع تساؤلات، حزب هذه إمكانياته وكوادره وتنوع ثقافته وتاريخه البطولي، وهو لا يمتلك سلطته هل السلطات المتعاقبة تقمعه وتلاحقه وتقتل كوادره وناسه ومحبيه.

في نهاية كل احتفال مثل هكذا احتفالات عادة ما كنا نتوزع على شكل مجموعات لنكمل احتفالنا وسهرتنا في بيت من بيوت رفاقنا، ففي نهاية احتفالنا المركزي هذا جئنا مجموعة من الرفاق ومعنا أحد رفاقنا اليمنيين، قسم منا يعرفه والقسم الآخر لا يعرفه، ومن خلال التعريف به تبين أنه صالح حسن عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، ومدير المدرسة الحزبية في عدن. وبعد أحاديث مطولة ومتشعبة في السياسة والثقافة والفن، ونضالات الحزب وشهدائه والضربات القاسية التي تعرض لها منذ الحكم الملكي البائد.

ومع كل هذه الضربات المميتة ظل الحزب شامخاً ومحافظاً على مبادئه، وحب الناس له وحين تحدث الرفيق صالح حسن، قال ضمن ما قاله إن الناس عندنا يسألوننا عن الحزب الشيوعي، وهم مبهورون بهذه الكوادر المناضلة، والقوية، والمتعددة المواهب والاختصاصات العلمية والفكرية والثقافية والفنية، وكانوا يسألوننا عن الإمكانيات التي يمتلكها الحزب الشيوعي العراقي، هي إمكانيات سلطة حاكمة، فلماذا هم لا يستلمون السلطة؟! وأضاف نحن كنا نعرف الأسباب، ولكن يطول الحيث والشرح للناس البسطاء، فكنا نختصر اجابتنا بكلمتين (ما يشتوش السلطة) أي هم لا يريدون السلطة.

واليوم، وبعد (43) عاما تفصل بيننا وبين الذكرى الـ (45) لتأسيس حزبنا، كأول احتفالية خارج العراق، كما نحتفل، نغني، نبكي، نضحك رغم جراحاتنا النازفة ورغم الآلام التي تعتصر قلوبنا، لما تعرض له حزبنا من ويلات ومآس وإبادة لم يتعرض لها أي حزب شيوعي في عالمنا المعاصر، ورغم ذلك ظل حزبنا شامخاً متعالياً على جراحه وآلامه، حيث تغيرت دول وتقلبت أنظمة وايديولوجيات، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (ذلك الحلم الضائع) ابتلعتها الرجعية العربية والسلفية ودعاة القومية المزيفة التي راحت تتهاوى في مزبلة التاريخ في سنواتنا الأخيرة.

وها هو حزبنا يعود بعد ان خاض اعلى مراتب النضال البطولي والتضحيات الجسام، وهو الكفاح المسلح ضد الفاشية البعثية على سفوح جبال كردستان الشمّاء، إذ لا تزال دماء شهدائه على صخور الجبال، وقبور شهدائه في السفوح والوديان شاهداً حياً، ومكاناً طاهراً يجتمع فيه أبناء القرى القريبة ليؤدون صلاة الجمعة قرب قبورهم العطرة. وستظل قبور الشهداء حية وخالدة ومزاراً لأجيالنا الحالية والقادمة.

واليوم عدنا لنستكمل ما بدأناه منذ الذكرى الخامسة والأربعين لعيد حزبنا، عدنا بعد ان ودعنا مآسينا ومعاناتنا واسماءنا المستعارة لكتاباتنا في الصحف والمجلات العربية.. عدت انا شخصياً مودعاً (ماجد محمد) الذي رافقني (25) عاماً، حتى وانا اعمل في كردستان قبل سقوط النظام البائد.