اخر الاخبار

عندما كان الكبار يشنفون أسماع الآذان العراقية بالنغم الأصيل، جاء جعفر حسن إلى بغداد من خانقين البعيدة شابا غضا، يغني بجرأة لناظم الغزالي ولعبد الوهاب والقبانجي وغيرهم، كانت في صوته مساحات عريضة، وأداء قوي صادح، فاحتضنته العاصمة وقدمته  في أعلى المستويات، ودخل غمار الوسط الفني، تزكيه موهبته، ولكنه لم يكتف بالقليل ولم يتوقف عند السهل، وإنما ابتدأ في فرقة الموشحات، حيث الأداء الصعب، وراح يبحث في الموروث الشعبي، فتقدم إلى معهد الفنون الجميلة – قسم الموسيقى، عازما على البدء بالعلم لصقل الموهبة ولكي يتتلمذ على الكبار، وغذ السير على الطريق الصحيح لا يعرف الوسطية وإنما كان يريد أن تكون له بصمة واضحة في المسيرة، فكانت البداية مع المقام العراقي الأصيل في فترة من أعقد فترات العراق ليؤسس لأغنية تنشد الحياة والتطور، الأغنية السياسية، فعمل على الكلمة والنغم والإيقاع وسعى لجمع هذه العناصر في بوتقة تتغنى بالعمل والتقدم والحياة، فكما تكون الأغنية هتافا تكون بنفس الوقت دعوة للبناء والتغني بالإنسان في آن واحد.

مبدع هذه بداياته، لا غرو أن يواصل مسيرة اختطـها عن وعي فيركب مصاعب الحياة، وتتقاذفه أمواجها إلى مرافيء شتى، لكنه كما بدأ، مازال يغني الأمل والحب، صوته يصل جبال كوردستان شمالا بشطآن عدن جنوبا.

خطواتك الأولى كانت راسخة على سلم الفن الموسيقي العراقي.. دخلت معهد الفنون الجميلة لتصقل موهبتك أكاديميا.. وتتلمذت على كبار الموسيقيين من بينهم جميل بشير.. وعندما غنيت كانت أول أغنية نسمعها من كلمات الكبير محمد القبانجي والحان الكبير جميل سليم.. هلا حدثتنا عن كيف كانت الانطلاقة مع أولئك الكبار؟

قبل المعهد تعلمت فطريا العزف على آلة العود، وعندما دخلت المعهد كان عندي أساس موسيقي، وحتى قبل العود كنت أعزف الناي حيث عّلمت نفسي بنفسي وانا كنت طفلا، أي عندما كان عمري ست سنوات، وعشقت الناي بحيث كنت في مدينتي خانقين أصنع النايات وتعلمت هذه الصناعة على يد عازف الناي نجم عبد الله الذي كان في فرقة خانقين الموسيقية حيث كانت بداياتي مع تلك الفرقة، ففي ١٩٥٨ غنيت في حفلات المدينة، وأذكر من أعضاء الفرقة فرمان كاظم الذي علمني أوليات العزف على العود، وعندما انتقلت إلى بغداد، وأثناء دراستي الثانوية، كرست أحدى العطل الصيفية لتعلم العود، وتعلمت مع صوتي، على أغاني محمد عبد الوهاب. ساعدني ذلك مشاركتي كعازف على الناي في فرقة نادي قريش الرياضي في الكاظمية ورغبة مني في عدم التوقف على ما تعلمته في العزف على آلتي الناي والعود، تقدمت إلى معهد الفنون الجميلة، وهناك التقيت بالكبار، على رأسهم المرحوم جميل بشير وجميل سليم وغانم حداد وسالم حسين  وسلمان شكر وأستاذ فاضل الذي درست على يديه آلة الفيولا والكمان، وآرام بابوخيان، وهؤلاء كانوا أساتذة فطاحل في الموسيقى في الموسيقى وكان لهم أثر كبير في تشكيل سمات مميزة للموسيقى العراقية الحديثة، منذ الأربعينات والخمسينيات، حيث وضعوا أسس وأساليب لها، كما يشكل كل منهم مدرسة بحد ذاته هذا أثر عليّ كثيرا فعلى الرغم من دراستي الفيولا والكمان، أي تخصصت بالموسيقى الغربية، إلا أن جذوري تبقى شرقية ، مما ساعدني  على أن أنهل من المعينين ، الشرقي والغربي ، وأعمالي التي قدمتها لاحقا، والتي كنتم تستمعون اليها ماهي إلا تأثيرات تلك البدايات.

لكنك لم تكتف بالأداء الموسيقي الانفرادي فقط وإنما شاركت في عروض مسرحية أيضا؟

أجل فقد مثلت في مسرحية (مصرع كليوباترا) من إخراج إبراهيم جلال، وأشرف سامي عبد الحميد على الإلقاء، وأنت كنت معنا ( يقصدني انا الذي أحاوره ع .ر) ، وقمت بأداء دور أياس وغنيت (أنا أنطونيو) التي غناها عبد الوهاب، وبالمناسبة تعتبر من أصعب أغانيه، حيث كانت تحتوي على مقامات كثيرة وطبقات متفاوتة في العلو والانخفاض، إنها كانت سبب انطلاقتي تقريبا، وأعرب المرحوم حقي الشبلي عن إعجابه وقال لي لاحقا إنه شاهد المسرحية لأكثر من مرة ليستمع لأدائي لتلك الأغنية، وأبدى بعدها اهتماما بي وعرض عليّ الانضمام إلى فرقة الرشيد للفنون الشعبية .

وهل في هذه الفرقة بدأت بالموشحات؟

كلا.. انا بدأت بالموشحات قبل فرقة الرشيد.. بدأتها مع فرقة أبناء دجلة للموشحات الاندلسية التي كان يقودها الموسيقي الكبير روحي الخماش، الذي لا أنسى فضله عليّ، حيث كان من علماء الموسيقى الأفذاذ وكان مغنيا كبيرا وملحنا مبدعا، وكنت في هذه الفرقة أغني انفراديا، وكانت عروضنا تقدم في الإذاعة والتلفزيون، ثم دراستي في المعهد للنوتة والأسس العلمية، وممارستي في فرقة الرشيد، كل ذلك غرس في نفسي أساسا موسيقيا سليما، وانا لحد الآن أدين لتلك البدايات المتينة التي ساعدتني على شق الطريق الصحيح على ما أعتقد.

يبدو ان تلك البدايات المتينة، كما وصفتها، هي التي كانت سببا في نيلك ثقة قامتين شامختين في الموسيقى العراقية، وهما محمد القبانجي وجميل سليم، حيث أعطاك الأول أغنية من تأليفه والثاني ألحانه لنفس الأغنية؟

ان اعطاءهما أغنيتهما لي، يعني اعترافا منهما بمستواي، وأنا هنا لا أريد أن أمدح نفسي، لكني لا بد لي من أن أعتز بتلك الثقة، الأغنية بالأساس كانت للمرحوم ناظم الغزالي، وقد حفظتها أثناء التمرينات، حيث كنت أزور كل جمعة المرحوم جميل سليم في بيته، أحيانا أذهب معه إلى دار ناظم لأنه كان يدرسه العزف على آلة العود، وكان لديهما مشروع مشترك بتدوين المقامات العراقية بتمويل من ناظم وتدوين جميل سليم، وقد نشأت علاقة بيني وبين ناظم  قبل ذلك، إذ التقيت به عندما كان يسجل للإذاعة أوبريتا من أدائه وفيه شخصية تؤدي مقطعا صعبا أستمع ناظم لعديد من المطربين المعروفين آنذاك، وكنت حاضرا باعتباري عضوا في فرقة الموشحات الأندلسية، وتوقف التسجيل فاقترح روحي الخماش على ناظم أن يسمع أدائي لذلك المقطع، ولما كنت قد حفظت اللحن، عبر تمريناتهم، قمت بأدائه، فقفز ناظم من الكونترول إلى الأستوديو وصافحني وأعرب عن إعجابه بأدائي ودعاني إلى بيته وهناك تعرفت على زوجته الفنانة سليمة مراد وعلى جميل سليم، أما حول الأغنية التي سألتني عنها فحكايتها انني عندما كنت ارافق جميل سليم في زيارته لبيت ناظم، أعطاه القبانجي أغنية كتب كلماتها، مطلعها : “ كلما أتمعن برسمك  .. أنسى روحي وأنسى اسمك) وبعد ان لحنها جميل سليم بدأ ناظم يتمرن عليها، وحضرت جانبا من بروفاتها، وكانت قد قاربت موعد التسجيل لكن للأسف الموت كان أسرع وتوفى ناظم. وبقيت الأغنية دون ان يؤديها أحد، لكن بعد فترة اقترح جميل على القبانجي ان يعطي لي الأغنية بعد أن مدح صوتي فطلب القبانجي ان يستمع لي وأنا أؤدي الأغنية، وعندما أسمعته إياها قال لي بالنص:” إذا تريد تصير مغني روح للقاهرة لا تبقى هنا”، أنا لا أنسى هذه النصيحة وألتفت إلى جميل سليم وأوصاه أيضا بالاهتمام بي.. وطلب مني أن أسمعه المزيد، فأسمعته بض المقامات وأغان لعبد الوهاب، وفهمت انه كان يريد ان يختبرني أكثر، لكنه سرعان ما اتخذ قرار الموافقة على إعطائي الأغنية، وحضر إلى الأستوديو عند تسجيلها ولم يسبق له إن فعل ذلك.

علاقتك بالإذاعة، إذاعة بغداد.. هل كانت نافذة أخرى تطل منها على الجمهور ...؟!

كلا إذاعة بغداد لم تعترف بيّ مغنيا، ولأسباب لا علاقة لها بالمستوى الموسيقي او بالأداء الغنائي، إنما لأسباب أخرى لا مجال لذكرها الآن.. قد تستغرب، فقد بدأت عبر إذاعة الكويت من خلال ستوديو جميل بشير (شركة بشير فون) وهذه الشركة تتعامل مع جميع المطربين العراقيين.. ومعها كانت بداياتي منذ مطلع الستينات لغاية ١٩٦٤، ذلك العام الذي بدأت فيه مع إذاعة بغداد كمطرب، أما قبل ذلك التاريخ، كانت إذاعة بغداد تسمح لي بالغناء مع فرقة الموشحات.. وذلك لأسباب سياسية.

بالنسبة لإذاعة الكويت هل كنت تغني فيها الأغاني العراقية؟

أجل كنت أغني أغاني ناظم وأغان من الحان جميل سليم وجميل بشير وعباس جميل ورضا علي وغيرهم، وبعد وفاة ناظم الغزالي كانوا يطلبون مني أن أغني المقامات العراقية، لكنني كنت حينها أرفض لأني كنت أدرس الموسيقى الغربية، وكانوا في المعهد يشجعوني على دراسة الأوبرا لأن صوتي فيه خامات ملائمة قادرة على اداء (التنور) و (الباريتون) وصرت حينها أطمح للسفر الى إيطاليا.. ما زلت نادما على رفضي ذاك لأن بعد وفاة ناظم كان الجو ملائما لملء الفراغ وأداء المقام العراقي، إذ أنني ضيعت فرصة كانت ذهبية لتطوير قدراتي في أداء هذا الفن التراثي المميز وكنت مشغولا بابتكار الحديث والتوزيع الها رموني والتوزيع الاوركسترالي.. في حينها كنت أعتبر المقامات شيئا تقليديا.. أما الآن فأنا آسف جدا على موقفي الذي اتخذته آنذاك، وردة فعلي الحالية ترجمتها في عمل البوم أسميته “مقامات عراقية “ ضمنته ستة مقامات مختارة، وفي الحفلات أغني المقامات والبستات العراقية لأن هذه هي جذوري.. تلك هي الفرصة التي ضيعتها وكانت الإذاعة الكويتية تطلب وكنت أكتفي بأداء الحديث، الصحفيون يتساءلون بكتاباتهم عن سبب تغييب صوتي عن إذاعة بغداد، في الوقت الذي يسمعونه من خلال راديو الكويت.. ولأني بدأت مع القبانجي وسليم فلم تنفع محاربة إذاعة بغداد لي وابعادها لي فأجبرت أخيرا على تقديم أغان لي بين الحين والآخر، ولكنهم كانوا يقدمونها على مضض، وخاصة بعد ٦٣ ١٩، واستمرت تلك المحاربة حتى تكللت بحلول عام ٧٤ حيث منعت من دخول الإذاعة منعا باتا.. وعند ذاك توجهت إلى الكاسيت.. فكنت أسجل بأجهزة تسجيل بسيطة، وبفرقة محدودة الآلات.. وكنت أوزع الاغاني بجهدي الفردي.. وحرصت على تقديم أغان مضامينها الاحتجاج غير المباشر والتغني بحب الحياة وبناء مستقبل أفضل.. الخ.

عندما بدأت مرحلة جديدة حولت الكاسيت إلى منشور سياسي.. فالكثيرون غيرك اختاروا الطريق الأقصر إلى أذن الجمهور فمارسوا الغناء العاطفي.. لكنك اخترت التأسيس الصعب فوضعت جذورا جديدة في الغناء العراقي: (الأغنية السياسية) ارجو ان تتحدث للقارئ عن ذلك التأسيس.. الذي اعتبرته أنا قبل قليل بالتأسيس الصعب.. لأنه فعل يتجه إلى تغيير الذائقة؟!

لقد غنيت الكثير من الأغاني العاطفية، لكني كنت مقلا فيها، لأن هذا النوع من الأغاني يصل الجمهور من خلال الإذاعة والتلفزيون. ولما كانت أبواب هذه المؤسسة مغلقة بوجهي، فهذا كان السبب الرئيسي وراء تلك الشحة.. لكني لم أترك هذا النوع، ما زلت أقدمه حيثما أتيحت لي الفرصة. أما فيما يتعلق باللون الآخر، بشكله الجديد، انا لا أريد أن أقول إنني بدأته، فقد كان موجودا قبلي.. أما من حيث التجديد فيه فيعود إلى سنة ١٩٥٦، إذ شهد العراق موجة غضب جماهيري استنكارا للعدوان الثلاثي ضد الشقيقة مصر، حيث تأثرت بالأهازيج الشعبية والهتافات التي كانت تنشدها الجماهير ... وكنت حينها صغيرا، لكني كنت أقوم بتلحين تلك الشعارات بعفوية، ومنذ ذلك الحين وأنا أدرس إمكانية أن تتحول الكلمات البسيطة إلى لحن تنشده الجماهير العريضة.. وإلى ذلك التاريخ تمتد جذور اهتمامي بهذا النوع، وهذا الشعور الوطني العام الذي كان يعم الوطن، دفعني لغناء الأناشيد، حتى أنني ساهمت بتمثيل مسرحيتين عرضتا على قاعة الحرية في مدينة الكاظمية وأخرجهما الفنان حمودي الحارثي، وأذكر ان الفنان قاسم الملاك كان من بين الممثلين فيهما.

وجدت ان الأناشيد الوطنية تعاني الجمود اللحني وهي أسيرة إيقاعات المارشات، وكانت تقلد المارشات العسكرية العالمية التي انتشرت اثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد كانت تلك الأناشيد تؤدى بقدسية، وبشكل تقليدي ومن غير المسموح الرقص معها او حتى التصفيق.. وكان هناك نوع آخر من الأناشيد الوطنية، تلك التي كانت تتسرب من السجون.. حيث كان السجناء ينسجون كلمات وطنية وينشدونها على منوال أغان شعبية متداولة، وتتلقفها الجماهير وتغنيها بالسر والعلن، ومن يطلق سراحه من السجن يعمل على نشرها، وكانت بمثابة شكل من أشكال الاحتجاج من جهة اختلافها عن الأناشيد الوطنية التي تفرضها السلطة على المدارس والإعلام.

انا أرى ان مفهوم الأغنية السياسية له ايقاعاته المتنوعة وله سلمه الموسيقي المتميز، والذي يعتمد الحانا ذات مسافات وأشكالا معاصرة، لم تكن موجودة.. لقد اشتغلت على تأسيس النمط الذي عرف لاحقا في العراق، بعد ان شاهدت تجارب عديدة في هذا المجال، سابقا، عندما شاركت في مهرجان بالجزائر، وكذلك حضوري مهرجان شيراز في إيران عام ١٩٦٨، وهناك استمعت إلى أنماط جديدة من الإيقاعات، طبعا لا علاقة لها بالأغنية السياسية، لكنها على ما يبدو أثرت بيّ فيما بعد. وفي مطلع السبعينات تعاملت مع قصائد شعراء مثل محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، وكنت من بين أوائل الملحنين الذين اشتغلوا على الشعر الحر.. وإلى جانب ذلك اتجهت إلى الكلمات الشعبية البسيطة والتي حرصت في تلحينها على إعطائها نكهة جديدة، واعتمدت نمطا مغايرا للمألوف، تنطوي على إيقاعات، تستطيع مع أدائها أن ترقص، وأن تدعم الكلمات بحركة جسمك، وأن تدلل في نفس الوقت على وعي وتعبير عن رأي، فهي ليست مجرد هتاف يقتصر على: يسقط أو يعيش، وإنما دعوة إلى الحياة في مجتمع عادل وإنساني لا ظلم فيه.

طريق وصول أغانيك للجمهور كان سريعا.. والسر في ذلك اختيارك للكلمات البسيطة والجمل اللحنية البسيطة أيضا.. هذا فضلا عن جدتهما. لكن هناك مسألة أخرى وهي أن المعروف عن الأغنية العراقية فيها مسحة حزن وأسى.. لكنك كنت متفائلا بألحانك، إذ كانت أغانيك ترقص للعمل والحياة، كيف خرجت من أسار ذلك الحزن؟

أنا بطبيعة الفكر الذي أحمله، فهو فكر متفائل ... لقد تعلمت أن أكون متفائلا في ظل أسوأ الظروف، وذلك السائد الذي حاولت كسره/ فقد بذلت جهدا استثنائيا بطرح الحزن والمآسي بطريقة تشجع على تجاوزها. فالتطلع إلى المستقبل يدفعك إلى التطور والعثور على حلول لبناء غد أكثر إشراقا.. لقد استخدمت أنغاما موسيقية فرحة، إن الومضات اللحنية التي كنت أبثها بالكلمات تجعلها أكثر مرونة وطراوة.

كنا نشعر وأنت تؤدي أغانيك كأنك قد وضعت في حساباتك اللحنية علاقة أغنيتك بالجمهور بشكل مسبق.. إذ كنت قليلا ما تستخدم الكورس معك.. وكنت تعتمد في هذا على الجمهور المتلقي، بديلا له، أي تدفع الجمهور بالتالي للمشاركة الآنية معك، كيف استطعت ان تكسر هذا الجدار أيضا؟! هذا الجدار القائم ما بين الميكرفون وفيما وراء الميكرفون؟

كنت أسمع ألحانا وجملا موسيقية معقدة لا يستطيع أداءها غير المحترفين.. حينها شغل تفكيري سؤال: كيف أغني للعمال في المصنع؟ او في أي حفلة؟ توصلت لو أن هذا الجمهور لم يستطع أن يحفظ ولو شطرا واحدا من أغنيتي، فأنا أعتبر نفسي فاشلا.. لكنني لما أرى الجمهور يردد أغنيتي عند سماعه لها، عند ذاك فقط، سيملئني إحساسا بأنني قد أنجزت مهمتي.

وعلى هذا الأساس قادني تفكيري إلى استنتاجي الذي ذكرته لك، إنك قد أسست لأداء جديد.

نعم، أتفق مع استنتاجك.. هكذا أردته أداء جديدا، يقوم بالأساس على الجماعية، على إشراك الجماهير.. وهكذا عملت أغان مثل: “أبو الجاكوج” و”أبو علي” و“لا تسألني عن عنواني” وكثير غيرها.. قدمت مؤخرا حفلة في البحرين غنيت فيها أغانيي القديمة، تلك التي تجاوز عمرها الخمسة وعشرين عاما، وفوجئت حد البكاء إذ وجدت الجمهور ما زال يحفظ تلك الأغاني ولم أحتج الكورس، وكان صوت الجمهور هو الأعلى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقتبس من حوار طويل أجري في أبو ظبي – آذار 2003

عرض مقالات: