اخر الاخبار

توسعت في البلاد مؤخرا عمليات انشاء معارض السلع تامة الصنع أو السلع الاستهلاكية المستوردة (المولات) وعلى نحو مبرمج مثير للاستغراب مقابل عملية ربما تحسب على أنها مقصودة لمضايقة المنتج المحلي إن وجد. وهنا نقصد تواري المنتج المحلي أمام المستورد في الأسواق العامة أو في المولات، ويرى البعض أن هذه المولات ظاهرة حضارية يتوسع عندها العمران وتشبع حاجات اجتماعية، وإنها تحسب على باب الاستثمار، وإنها أي المولات صارت تحاكي المعمول به عالميا حيث المطاعم والكافيهات أو حتى ملاعب الأطفال، وأنها صارت مكانا للترفيه. لو سلمنا مع أصحاب هذا الرأي وناقشنا المعروض السلعي لوجدناه معروضا أجنبيا بلا منازع تختفي فيه الصناعة الوطنية، والكل يعلم أن المولات في الغالب تعرض الملابس النسائية والرجالية والأحذية وملابس الاطفال والاكسسوارات ومتطلبات الزينة الأخرى، والتي تحسب اقتصاديا على خانة الاستهلاك الكمالي أو المظهري وتعد طاردة للنقد الأجنبي إلى الخارج، في حين أن القاعدة الاقتصادية ترى أن الاستثمار يعني عملية خلق طاقة إنتاجية جديدة تضاف إلى الأصول الإنتاجية القائمة في المجتمع، وذلك عن طريق إنشاء شركات إنتاجية جديدة أو التوسع في عمل شركات قائمة، أو تجديد مشاريع قديمة انتهى عمرها الافتراضي. إن أهمية الاستثمار في بلدان العالم تعني زيادة الانتاج والإنتاجية بالتالي زيادة الدخل القومي وارتفاع مستوى دخل الفرد، فعلى أي نوع من أنواع الاستثمار يمكن احتساب إقامة المولات؟ وقد كان من الممكن عدها استثمارية إذا كانت تسوق المنتج المحلي وتساعد على نمو الصناعة بشكل عام أو نمو تصنيع المواد الغذائية بشكل خاص لأنها ستعمل على تشجيع الاقتصاد الزراعي.

أردنا مما تقدم أن نقول إن المستثمر كان سيحصل على مردود مالي أعلى بكثير لو كان قد استثمر في مجال صناعة ملابس الاطفال على سبيل المثال لا الحصر، أو استثمر في مجال صناعة الموضة النسائية لسهولة النقل والاستدلال المهني عن طريق الأسواق المفتوحة ومعلومات الشبكة العنكبوتية، أو قام بتصنيع الأحذية الولادية والرياضية والنسائية أو قام بطبع وصناعة الحجاب النسائي، وغيرها مما تعرضه المولات والأسواق المحلية، خاصة وأن العراق منذ العام 1926 قام بوضع اولى صناعة للنسيج حيث أنشأ اللواء المتقاعد من الجيش العثماني معمل فتاح باشا، وتم بعد ذلك بفترة انشاء معمل الوصي للغزل والنسيج ، وبعد العام 1932 وانتهاء فترة الكساد العظيم أقيم عدد من المشاريع الصناعية كمعامل الطابوق والبلاط والطحين والثلج، وفي العام 1940 تم تأسيس المصرف الصناعي للعمل على التنمية الصناعية وفي نفس العام تم تأسيس شركة استخراج الزيوت النباتية، وهكذا تطورت الصناعة في الخمسينات لتشمل صناعة الجوت والسكاير والشخاط وتعليب التمور. وعند قيام ثورة 14 تموز عام 1958 ابتدأت مرحلة التصنيع الحقيقية ففي العام 1959 حيث تم وضع أول خطة اقتصادية في تاريخ العراق، وهي الخطة العاجلة للعام 1959---1961 وكانت مهمتها وضع اللبنات الاولى لتخطيط أشمل كما يقول الدكتور صائب ابراهيم جواد في الجزء المخصص له من كتاب الاقتصاد الصناعي، حيث تم حصر المشاريع التي تمولها ميزانية مجلس الأعمار من تخطيط إقامة مشاريع جديدة، وقد تم تمويل 93,2 في المائة من مصروفات الخطة من إيرادات النفط، وأخذت الصناعات بكل فروعها تنال الاهتمام الحكومي حتى كان القطاع الصناعي يشكل 23 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي قبل العام 2003 ، غير أن ما حصل لهذا القطاع من إهمال متعمد بعد هذا التاريخ جعل فقط  140مصنعا بعمل من اصل 227 مصنعا حكوميا عملاقا، والبقية الباقية صارت عالة على الموازنة العامة، كما وأن البيانات تشير في أكثر من موقع إلى أن ما يزيد على 18167 مشروعا صناعيا متوقفا عن العمل ولأسباب مختلفة، يقف في مقدمتها عجز الدولة عن توفير الطاقة الكهربائية، ناهيكم عن الإهمال المتعمد لتمكين المستورد من مناشئ معروفة تقف وراء كل منشأ أيادي خفية تعمل على محاربة الإنتاج المحلي واستحصال العمولات .

إن تعطيل معامل جميلة الصناعية (على سبيل المثال) وتحويل قاعاتها إلى مخازن للمستورد، وتحويل عمالها الفنيين إلى عتالين لخدمة هذا المستورد إنما يراد من ورائه جعل العراق تابعا اقتصاديا لدول الجوار، وجعل عماله فريسة الفقر مقابل استقدام العمالة الأجنبية للعمل في هذه المولات ومواقع الاستثمار الغريبة عن مفاهيم الاقتصاد الصناعي والزراعي. تلك المفاهيم التي تقوم أساسا على إنتاج الخيرات في المعامل، لا على عرض المستورد في المولات، لذا فإن منطق الوطنية يقول: القليل من المولات والكثير من المعامل.

عرض مقالات: