اخر الاخبار

لعل هذا الاستذكار الجميل يعيدني الى عام مشؤوم في تأريخ العراق هو عام 1963 حين اختفى شمران الياسري -ابوكاطع- في ريف الجنوب ومن هناك اصدر صحيفة اللجنة المحلية للواء الكوت تحت اسم (الحقائق) وقد اخذت حيزا واسعا من الشهرة ضمن العمل التنظيمي للحزب في ظرف كان حالك السواد بعد انقلاب 8شباط الاسود من ذلك العام..

اغتنمها فرصة سانحة للكتابة ولو بشكل مختصر عن الراحل الشهيد شمران الياسري - ابوكاطع - في ذكرى رحيلة الحادية والاربعين ، ولعل من السهل الممتنع الكتابة عن عمي وصديقي الراحل الجميل ..لقد عرفته عن قرب بحكم البيئة الريفية التي حكمت في ذلك، فقد شارك في قسط وافر من الاشراف على تربيتي مثلما عرفت جزءا يسيرا من تفاصيل حياته ومعاناته وسجونه وتفاصيل استمرت الى آخر يوم من حياته، حيث شاءت الاقدار ان يتوفي بألقرب من بيتي في تشيكوسلوفاكيا حين كان متوجها لزيارة ولده المرحوم جبران، مودعا إيّاه حيث كان يستعد للسفرالى كردستان لاستلام اذاعة الحزب هناك.. وابو كاطع حين تتاح لك معرفته تكتشف انه دائما ما كان يرتدي تعبه وعذابه الجميل وراء مزاج مرح وشفيف - على حد تعبير احد اصدقائه.

اجل،هو الفلاح المتواضع قبل ان يكون الصحفي والاعلامي المميز والمقروء مثلما هو الاذاعي البليغ وصاحب الكلمة التحريضية التي كانت تخشاها الانظمة الفاشية الظالمة وقد اختص بهذه الطاقة دون سواه..الشيوعي شمران الياسري وظف السخرية بعناية في مجابهة الدكتاتورية المقيته ومن هنا ضاقت به الانظمة ذرعا وحاربته دون هواده رغم الهدنة المؤقتة التي عقدتها مع اليسار العراقي.. في شهر آب من كل عام تقفز الى الذاكرة المتعبة مقولة الكاتب العربي الكبير فيصل درّاج ( ما ذكر القلب انسانا إلاّ وشفعه بمناسبة وما ذكر مناسبة إلاّ ورآى فيها وجوها غابت او ابتعدت او تغيرت، فكأن بيننا وبين الزمن السوّي قطيعة وجفاء!!).. وبعيدا عن الشكليات في الكتابة في مثل هذه المناسبات وربما يفاجئ القراء كيف كان الفلاح ابو كاطع رسّاما بارعا الى حد ما حيث رسم الكثير من اللوحات الزيتية واهداها الى ادارة مدرسة حمورابي الابتدائية الريفية في ناحية الدجيلة والتي انهى دراسة المرحلة الابتدائية عن  بعد فيها وعقد صداقة متينة بينه وبين معلميها الذين كان جلهم يساريون تقدميون،كما كان شمران يجيد العزف على الناي ويقرض احيانا الشعر الشعبي وتعلّم في السجن فن التطريز واللغة الكردية جزئيا كما تعلّم اللغة التشيكية خلال وجوده في براغ واحتفظ للساعة بدفتر صغير فيه استنبط طريقة خاصة به لتعلم تلك اللغة إذ هي ليست من اللغات الحيّة وسهلة التعلّم، بمعنى انها لغة معقدة للغاية وبحكم تجربتي هنا..

ضمن رسالته مجيبا على استفسار الصديقة الدكتورة سميرة الزبيدي التي كانت وقتها تعد اطروحتها الموسومة – الادب الساخر الرفيع في صحافة العراق- يقول((.. ولدت في قرية صغيرة وفقيرة على نهر الغراف جنوب مدينة الحي وقد اختلف الرواة الثقاة وغير الثقاة في تأريخ ميلادي،فلا احد من اهلي يعرف ولا اعتادوا تسجيل المواليد ولكني بألقرينة والاستذكار احزر التاريخ التقريبي وهو الى حد ما كعلامة ذلك الفلاح حين وضع قطعة من غيم يهتدي بها على الطريق وعلامتي كذلك!!)..

 

عرض مقالات: