اخر الاخبار

لا يمكن لأي عراقي ووطني حر أن يختلف على كون انتفاضة تشرين التي شهدها العراق في عام 2019 هي أهم فعل احتجاجي حدث في العقدين الأخيرين، وبعيدا عن كل ما رافق هذه الانتفاضة من مواقف مختلفة إلا أن أهمية تشرين تكمن في ابراز الهوية الوطنية التي عملت السلطة بعد سقوط النظام الدكتاتوري على تغييبها وبروز الهويات الفرعية الدينية على حسابها.

مرت تشرين بمنعطفات مصيرية، لأسباب كثيرة وأهمها حالة الفوضى التي وصلت إليها، وفي الحقيقة إن حالة الفوضى حالة صحية بالنسبة لفتية غاضبين كالبركان ومستائين من كل شيء حولهم، كما أن حالة الفوضى العامة التي يعيشها البلد لا يمكن أن تنتج حركة احتجاجية نموذجية.

وبالعودة إلى المنعطفات التي مرت بها تشرين، يضاف إلى ما تقدم إلا أن الانتفاضة لم تكتف بتعرية النظام السياسي فحسب، فقد ساهمت بتعرية بعض المحسوبين على الطبقة المثقفة الذي يضع قدما في الاحتجاجات وقدما في السلطة الامر الذي زاد من فوضى المطالب وأنتج اصوات وصولية براغماتية هدفها السلطة أكثر من شيء آخر.

غياب المثقف العضوي بحسب تعريف غرامشي في الاحتجاجات، ساهم بإنتاج صحافة مشوهة عاطفية اغلب كتابها من المشاركين الفاعلين في الحركة الاحتجاجية، وقد وقعوا بخطأ مهني فادح من خلال انتاج مواد صحفية غابت عنها ملامح الواقعية السياسية والاجتماعية فراحوا إلى ما هو أبعد وأخطر على حركة الاحتجاج من ذلك بعد تسمية الحراك على أنه “ثورة”.

وبالحقيقة لم تكن تشرين ثورة ولا يمكن أن تتعدى مصطلح الانتفاضة، وتسميتها بالثورة مسؤولية خطيرة تدفع بالمحتجين الغاضبين نحو هاوية عدم الواقعية السياسية، في المقابل برز طرف الإعلام المتخادم مع السلطة والنظام ورجالته، الإعلام الذي نجح في تصدير المحتجين على أنهم مخربون شاذون وسطحيون واعداء للدين والمذهب الذي يمثل رصيدهم في البقاء على رأس السلطة.

شن هذا النوع من الإعلام حربا قذرة بمعنى الكلمة، كال مختلف التهم بحق المحتجين من أبناء السفارات (اي انهم متخادمون مع سفارات الولايات المتحدة وبعض دول الخليج) مقابل نشر الفوضى في البلد، إلى الصاق التهم الكيدية والخادشة للحياء وصلت إلى الطعن بشرفهم، فضلا عن سياسية الترهيب التي مارستها هذه المؤسسات عبر التحريض على قتل الناشطين وترويع عائلاتهم.

لا تزال شخوص النظام الحالي تحكم بعقلية الدكتاتور وكأنها لم تشهد السقوط ولم تتعلم الدرس، وتعتقد أن تشرين انتهت ولن تعود مرة أخرى، لكنها واهمة كونها منفصلة عن الواقع ومشغولة بتحصين نفسها واهمال ما دون ذلك.

سينتهي هذا النظام الريعي الهش الذي يتآكل شيئا فشيئا وسيتلاشى وينتهي مثل قطعة زبدة لسعتها شمس تموز اللاهبة، ولن تنفعه وقتها مظاهر العنف والقسوة والاجرام الذي انتهجه ولن تحميه الصبات الكونكريتية التي جثمت على صدر العراق والعراقيين طوال الـ 20 عاما، سينتهي ويتلاشى لأنه بلا أرضية وبلا مستقبل وبلا خطط تضعها الأنظمة التي تحترم شعوبها، سينتهي نظام اللصوص والتبعية والعملاء والخونة ويبزغ فجر جديد عادل رسمه المحتجون ودماؤهم التي اريقت في ساحة التحرير، وسيجني رجال هذا النظام العار ابد الدهر حتى وإن لم يطالهم وهم على قيد الحياة سيطال ابناءهم ما بقينا وبقيت الحياة.

عرض مقالات: