اخر الاخبار

حرتُ من أين ابدأ كلماتي وأصُفُّ حروفي حينما يكون الحديث عن تشرين وأبطالها الشهداء، لا يسعني أن اكتب كلمة تشرين أو اكتوبر إلا ومشاهد قنابل الغاز وهي مستقرة في رؤوس الشباب تفترس ذاكرتي وأردد؛ يا للألم على ذلك الثمن الباهظ الذي دفعه شبابٌ بعمر الزهور لأجل أهداف نبيلة. كانت جل أهدافهم هي نيل القليل من الحرية والكرامة والحقوق المهدورة والممزقة بين أنياب أحزابٍ الإسلام السياسي الفاسدة والناهبة حتى النخاع لخيرات البلد.. حقوقٌ كان من المفترض بها أن تكون من البديهيات على سطح هذا الكوكب في معظم بلدان العالم. لكن عراقنا على ما يبدو مثل شخص مشوه خَلقياً لا تناسبه أحجام ومقاسات الملابس المعتادة، وليس هناك خيّاط ماهرٌ وأمين يمكنه أن يُفصّل لنا ثوباً سياسياً ذا جودة عالية ومقاس يناسب جميع مكوناتنا المتناحرة والتي تسبح في الطائفية والمناطقية والقومية منذ عشرات السنين. وهي ذات الأسباب التي نجترها ونصقلها ونعيد تعليبها وبيعها من جديد على أنها جديدة لأنفسنا في كل حقبة أو نكبة سياسية جديدة. فكل الشعوب تدرس وتتعلم من تاريخها وتاريخ غيرها وتستعر من ماضيها العنيف، إلا نحنُ المنتفخون بتمجيد حروب الماضي وانتصاراتنا المزيفة على بعضنا البعض. فلا عجب من هروب وهجرة شبابٍ فتح عينيه على شبكات التواصل وأصبح يرى أقرانه في العالم كيف يعيشون بينما يرزح هو تحت وطأة الظلم والفوضى والخوف والإرهاب والتخلف وانعدام الأمل.

في ظل حكم منظومة المحاصصة والفساد رجع العراق لعصور الظلام بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولا يخونني الظن ان القادم أسوأ طالما بقي دعاة الفضيلة الزائفون يحكمون قبضتهم الملطخة بدماء الشعب على مفاصل الدولة.

من وجهة نظر يملأها الألم؛ نحن بحاجة ماسة لثورة فكرية عنيفة يشترك فيها نخبة المجتمع لتعصف وتعري جميع الأدوات التي يستخدمها دعاة الفضيلة لتخدير البسطاء والصعود على اكتافهم من خلال التصويت لهم على أساس الولاء الديني والطائفي. في النهاية، لم ولن يتم تحقق حُلم الحريات والتعايش المنتظر لأي بلد يحتضن قوميات وعقائد مختلفة ودستوره السياسي مُصاغٌ على أساس العقيدة الدينية.

عرض مقالات: