اخر الاخبار

لم يوفق البنك المركزي بضبط ايقاعات الاقتصاد العراقي كغيره من بنوك العالم المركزية كما حصل مؤخرا عندما فشلت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراوس في خطتها للسيطرة على التضخم وارتفاع أسعار الوقود تدخل البنك المركزي البريطاني فرفع سعر الفائدة ودعم وتيرة إنقاذ الاقتصاد بالتوصية بالأخذ بنظام الموائمة الضريبية لإبعاد حدوث الانكماش قدر الإمكان، فتم دفع رئيسة الوزراء للاستقالة، ولنا ايضا في كل البنوك الأوربية المركزية أمثلة ناصعة على نجاعة تدخل تلك البنوك. فقد كان على البنك المركزي العراقي السير بموجبها، لا أن يتمسك بشباك مزاد العملة الشاذ ماليا واقتصاديا اضافة الى تتابع تراجع أدائه المصرفي كبنك للبنوك كمنظم للاقتصاد، وحارس لقيمة العملة الوطنية، فبالإضافة إلى تراجع قيمة عملتنا الاسمية على يده هو، جراء خضوعه لمطلب وزير المالية المستقيل بتخفيض قيمة العملة أمام الدولار، انخفضت قيمة العملة الحقيقية بنسبة 25 %، وهذا الانخفاض جر الويلات على الاقتصاد الوطني وارتفعت أوزار الفقر على المواطن البسيط الذي لم تكن له لا ناقة ولا جمل في مشروع ذلك التخفيض العقيم الذي لم ينجب كما ادعت وزارة المالية إصلاحات اقتصادية، بل انجب تصاعدا في الأسعار بما لا يقل عن 30 بالمائة للدواء أو الغذاء أو مستلزمات التربية والتعليم وهذه هي بوصلة الاستقرار الاقتصادي لدى دول العالم.

إن وقوف البنك المركزي عاجزا أمام تدهور العملة الوطنية وتذبذبها أو السكوت على سلوك الدولة الاقتصادي المشين، لم يكن إلا مؤشرا اما لجهالة المسؤول أو لأنه يتصرف بتعمد على تدهور الأوضاع المعيشية والتنموية للبلاد. وأنه بات يحاكي التزييف عندما يترك المهم ليفكر بإصدار فئة جديدة من العملة، وهو اصدار لا داع له ولا وله قيمة مضافة.

أن تغول مزاد العملة والإصرار عليه يعد بمثابة عملية مدروسة لإيقاف الإنتاج الوطني وتعطيل قدرات الفئات الشبابية القادرة على الخلق والإبداع وخلق المنفعة في موارد العراق الطبيعية المنهوبة أمام أعين الحكومات الفاشلة المتعاقبة منذ العام 2003. ، وان الاصرار على سفور المصارف الأهلية وعدم خشيتها من أصول وقواعد الصرف والتحويل الخارجي جعل من العراق تابعا ذليلا لإنتاج الغير وعملة الغير وسياسة هذا الغير الاقتصادية، وما تناغم المركزي مع المصارف الأهلية إلا وسيلة لتهريب العملة إلى جهات معلومة، أو مجهولة، ولكن بنوايا واحدة تتمركز حول استمرار التبعية الاقتصادية للغير.

إن البنك المركزي يستطيع ضبط إيقاع الاقتصاد العراقي وذلك بالعمل على مراحل على إيقاف منصة مزاد بيع العملة، وان يمنح وزارة التجارة مدة ستة أشهر، لوضع جدول بالأهمية النسبية للسلع والبضائع المستوردة للقطاع الخاص، وان يعمم على الدوائر الحكومية حصر احتياجاتها السنوية من السلع المستوردة لأغراض نشاطاتها الحكومية، وان يتم بعد ستة اشهر وضع سياسة الاستيراد وفقا لأولويات الحاجة وسلم الاهمية النسبية، وان يكون الابتداء بالمواد الأساسية الغذائية، والطبية والإنشائية والملابس والأثاث أو أي مواد تكميلية تتطلبها الحياة اليومية، وان يصار إلى اعتماد جدول بمتوسط الأسعار العالمية، وهذا من صميم عمل وزارة التجارة، وعلى الدوائر الحكومية تأمين حاجاتها من السوق المحلية أو الاستيراد من الأسواق العالمية وفقا للأسعار العالمية، وبعد إجراء ما تقدم يعلن البنك المركزي عن استعداده لتلبية الحاجة المحلية للسلع والخدمات عن طريق فتح الاعتماد والتحويل بعد اكتمال الدورة المستندية ووصول اشعار البنك المراسل بالشحن، وفقا لما كان معمولا به قبل العام 2003، ويمكن للبنوك الحكومية وفروعها فتح الاعتمادات، لحين ضبط المصارف الأهلية وتدجين عملها وفقا لخطة التحويل الخارجي المقترحة .

إن إنقاذ العملة الوطنية مما هي عليه، يتطلب قيام البنك المركزي بالخطوات التالية:

أولا ... تصفير العملة، القيام بالعودة إلى وحدة الدينار والمتمثل بالدينار القديم المغطى، وهو ما يساوي ألف فلس.

ثانيا ...إعادة العمل بفئات العملة المعدنية ضبطا لإيقاعات الأسعار وتمهيدا لعملية تخفيض هذه الاسعار.

ثالثا...الإعلان الاولي بأن سعر الدينار الواحد يساوي دولارا واحدا، وهذه العملية تتم بعد حصر إجمالي الكتلة النقدية المتداولة حاليا.

رابعا ...يتم استبدال الدينار الجديد مقابل 1470 دينار عراقي قديم.

خامسا يتم فتح الاعتماد بالدينار العراقي الواحد مقابل دولار امريكي واحد محول للمجهز.

أن البنك المركزي اضافة لما تقدم دور قيادي في ضبط إيقاع التضخم والتحكم فيه عن طريق ضبط اسعار الفائدة أو التحكم حتى بالمتداول النقدي عن طريق طرح سندات القرض الحكومية، أو حجب جزء من الرواتب للدرجات العليا ومخصصاتها، أو زيادة تلك الرواتب للدرجات الدنيا، مع الأخذ بنظر الاعتبار وضع حد أدنى ومعقول للأجور في القطاع الخاص او تعاقدات القطاع العام.

أن سياسة الاقراض الحالية لم تأت بثمارها الإنتاجية المطلوبة، وان المصارف الأهلية لم تكن لتأخذ دورها في التنمية الاقتصادية، بل كانت ولا زالت شركات تتاجر بالأموال، أو اقتصر عملها على الصيرفة والتحويل الخارجي، وهذا ليس دورها القانوني، لا بل إن دورها أضر بالاقتصاد الوطني وأضر بقيمة الدينار العراقي.

أننا نطالب البنك المركزي بالعودة إلى قانونه الأساس كبنك للبنوك وكحارس للعملة وضابط للتضخم والانكماش ، بل الانكماش على ما هو مطلوب منه في عالم إصدار العملة والحفاظ على قيمتها الحقيقية اضافة الى ضبط ايقاعات الاستيراد وجعله مبوبا على قاعدة الاهمية النسبية لهذه السلعة أو تلك،  وان يكون حارسا على الأموال العامة عن طريق السيطرة الحقيقية على أعمال المصارف الحكومية والتشديد على الاستيراد المبرمج بالتنسيق مع وزارة التجارة وله أن يأخذ دورا آخر مغايرا لدوره الحالي المتناغم على ما يبدو مع سلوك المصارف الأهلية والعمل على تقليل عددها وتوسيع قاعدة أعمالها التنموية وان لا يقبل كونها منصات للمتاجرة بالعملة الأجنبية أو منفذا لتهريب تلك العملة .

إن البنك المركزي مسؤول مسؤولية قانونية عما يجري من فساد في المصارف الحكومية ونهب الأموال العامة، وذلك بإعادة النظر في الأنظمة الداخلية لتلك المصارف التجارية أو الزراعية أو الصناعية، وان يصار بدعم منه إلى إعادة هيكلة تلك المصارف بالعودة إلى أصول الصرف الحكومية التي كانت مطبقة قبل العام 2003، وان يكون للدينار العراقي قيمة حقيقية تعادل قيمة دولار واحد، وهذا ممكن جدا الآن لوجود الفائض النقدي اضافة الى الاحتياطي المعلن عنه مؤخرا، وهو باعتقادنا مساو للكتلة النقدية المتداولة والمخزونة، وهذه أولى خطوات اصلاح الاقتصاد التي يطالب بها العراقيون ...