اخر الاخبار

 وأنا أتابع كما الكثيرين من على شاشة التلفاز، ولساعات طويلة، ذلك الجهد المضني منقطع النظير لفرق الإنقاذ التي واصلت الحفر، تدفعهم إنسانيتهم قبل كل شيء، لأكثر من أربع ساعات تقريباً، لإنقاذ الطفلة عائشة ذات الـ 7 سنوات بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شهر شباط الماضي، ليتم انتشالها من تحت الأنقاض بعد ستة أيام حيةً تتلقفها عشرات الأيدي لحظة خروجها. أيدٍ تحنو عليها وتمسح على وجهها الصغير الجميل.

كل تلك المشاهد جعلتني أتذكر أولئك الرجال الذين كانوا يدفنون المولود تواً تحت التراب (يئدونه) إذا كان أنثى، معتقدين أنها ستجلب لهم العار، ناسين أو متناسين أنهم لم يكن ليكون لهم وجود لولا هذه الأنثى التي يشعرون بالعار من دخولها إلى عالمهم المريض.

تخيلوا الصورتين؛ واحدة لإخراج طفلة من تحت التراب لتولد من جديد. وأخرى لطفلة تدفن تحت التراب وهي حية.

ثم حملني كل ذلك إلى السؤال عن أولئك الذين تحجرت أفكارهم وقصر نظرهم وضعفت نفوسهم فكتبوا المادة (41 / 1) من قانون العقوبات العراقي وبشكلها الفضفاض القابل للتأويل، حسب المصلحة، ثم يتبعهم أولئك (في المحكمة الإتحادية العليا) الذين يتجاهلون كل ما ورد في القانون والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، فيقررون رد دعوى الطعن بهذه المادة التي تبيح “تأديب” الزوج لزوجته و”تأديب” الآباء والمعلمين للأولاد القصر، بحجة حماية الأسرة.

ولكن هذا “التأديب”، المرفوض أصلاً، تجاوز كل حدوده، وأصبح عنفاً يمارس بأبشع صوره في وضح النهار، محميّ فاعلـُه بتلك المادة من القانون، ليترك ضحاياه وقد قتلت الحياة فيهم، فهم يعيشون الخوف المستمر من العنف والضرب المبرح والإعاقة، والإهانة والذل وكأنهم عبيد تمارس ضدهم كل أمراض ذويهم التي توارثوها، أباً عن جد، وما زالوا يسقونها تخلـّفاً ويعلمونها أبناءهم لتستمر هذه العقلية إلى ما لا نهاية، دافعين ببعض الضحايا إلى الانتحار أو الهروب إلى أي ملجأ حتى لو كان عصابات الجريمة المنتشرة في كل مكان.

لو كنا في بلد آخر غير العراق، يُطبق فيه مثل هذا القانون بهكذا انتهاك، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولخرج مواطنو هذا البلد لإلغاء هذا القانون، ليحافظوا على إنسانيتهم.

ولكن ما يهوّن الأمر علينا وجود المنظمات والمؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان والكثير ممن يؤمنون بمبادئ الإنسانية التي تقف إلى جانب المرأة وتدافع عن حقها في العيش بكرامة. ولأن هذا هو حقها الطبيعي وليس منّة تنتظرها من أحد، فإن المرأة وكل المنظمات والجمعيات والمؤسسات المدافعة عن حقوقها وحقوق الطفل، مستمرون في المطالبة بإلغاء هذه المادة (41 / 1) المدسوسة أسطرها وحروفها بسموم الكراهية والاحتقار واستضعاف المرأة والطفل.

ومتى ما تحققت العدالة واستعادة المرأة حقوقها المسلوبة، فسوف تـُولد من جديد، كما ولدت عائشة من رحم الأنقاض. عندها سيكون العيد حقيقياً، يستحق الاحتفال به وهي رافعة رأسها، مكللاَ بالرفعة والكرامة والإيمان بـ ”ما ضاع حق وراءه مطالب”.a

عرض مقالات: