اخر الاخبار

في الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق، والذي أسفر عن سقوط نظام الدكتاتور صدام حسين، نشر معهد إستوكهولم للسلام، تقريراً أعدته نخبة من باحثيه حول واقع العراق بعد عقدين من الإحتلال، جاء فيه بأن الهدف المعلن للتحالف متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كان نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق، ووضع حد لدعم صدام حسين للإرهاب، و”تحرير” الشعب العراقي. وقد نجح هذا التحالف في إحتلال البلد بعد ثلاثة أسابيع من حملة جوية وبرية مكثفة، وإسقاط النظام البعثي وحل الجيش العراقي، دون أن يتم العثور على أسلحة دمار شامل.

واشار التقرير الى أن الحرب قد أدت الى مقتل مئات الآلاف، ونزوح الكثير من الناس وتدمير البنية التحتية. وبعد وضع دستور دائم، العام 2005، والذي كان هدفه إقامة نظام ديمقراطي برلماني، إنطلقت عملية سياسية إشتملت على ترتيبات رسمية لتقاسم السلطة بين المجموعات العرقية والطائفية الرئيسية في البلاد، أو ما تسمى بالمحاصصة، وتسلمت الدولة العراقية رسمياً المسؤولية الأمنية، وانخفض وجود قوات التحالف تدريجياً من حوالي 131000 إلى صفر بحلول نهاية عام 2011.

تواصل حاجة الدولة للدعم

ورغم كل ذلك، بقيت الدولة العراقية الجديدة معتمدة بشكل كبيرعلى المساعدات الخارجية، بما في ذلك المساعدات المالية وإمدادات المعدات العسكرية ولسنوات عديدة. وإشتدت هذه الحاجة عند إنفجار العنف الطائفي والعرقي، وبقاء العراق هشّاً وغير مستقر سياسيًا ، ثم حين تمكّن “تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)” من السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد بالقوة، قبل أن يتم هزيمته في عام 2017.

الإنفاق العسكري

وعرض التقرير تقديرات معهد إستوكهولم للسلام، للإنفاق العسكري العراقي، وهي تقديرات وصفها بكونها غير مؤكدة تماماً، رغم إعتمادها على التقارير المالية المنتظمة التي تنشرها الحكومة العراقية، وذلك بسبب عدم شمولها للإنفاق على القوات شبه العسكرية، ذلك الإنفاق الذي قد يوازي حجم ميزانية وزارة الدفاع، إضافة الى عدم وجود إشارات حول الإستثمارات في القطاع العسكري، وأخيرًاً، لأن بعض الإنفاق على الأمن في العراق قد تم من خلال المساعدات الخارجية.

ويذكر التقرير تصاعد الإنفاق بشكل طفيف إعتباراً من 2007 وبالتزامن مع تصاعد المعارك التي حدثت وبالاشتراك مع القوات الأمريكية ضد تنظيم القاعدة، قبل أن يشهد الإنفاق العسكري زيادة حادة في أوائل عام 2010 وما بعده حتى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد رسميًا في كانون الأول 2011. وأشار التقرير الى أن التسليح قد عاد وشهد تصاعداً سريعاً مع تفاقم الوضع الأمني الهش جراء صعود “تنظيم الدولة الإسلامية”، في عام 2014، وسيطرته على مساحات شاسعة من البلاد، حتى بلغ الإنفاق العسكري ذروته في عام 2015، وقبل الانتصار على “تنظيم الدولة الإسلامية” في عام 2017 واستعادة مركزه الرئيسي، مدينة الموصل.

وبين التقرير انخفاض الإنفاق العسكري، بعد العام 2020، من حيث القيمة المطلقة وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك تزامناً مع جائحة Covid-19 وفترة التقلبات الكبيرة في أسعار النفط، الذي هو المصدر الوحيد تقريباً للواردات في العراق (أنظر الرسم 1).

واردات الأسلحة

وأضاف التقرير بأنه وبعد فترة وجيزة من الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003 ، بدأ العراق وبمساعدة كبيرة من الولايات المتحدة، في إعادة بناء القوات المسلحة، وتأهيلها للقضاء على الجماعات المسلحة العاملة حينها في البلاد. وقد تلقى لهذا الغرض أعدادًا كبيرة من أنواع الأسلحة الخفيفة ومعدات الدعم، شملت على سبيل المثال، أكثر من 10000 مركبة مدرعة خفيفة وأكثر من 100 مروحية نقل، إلى جانب مئات الآلاف من الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وروسيا، التي كانت الولايات المتحدة تدفع ثمن واردات اسلحتها إلى العراق (أنظر الرسمين 2 و 3).

الإعتماد على النفس

وأشار التقرير الى أنه ومنذ إنسحاب معظم القوات الأمريكية من البلاد وحتى عام 2018، سعى العراق إلى إنشاء قوات مسلحة أكثر اكتمالاً، فإشترى معدات أثقل وأكثر تقدمًا من مجموعة أوسع من الموردين. وشمل ذلك دبابات وطائرات مقاتلة من الولايات المتحدة وأنظمة الدفاع الجوي وطائرات الهليكوبتر القتالية من روسيا والطائرات المقاتلة من كوريا الجنوبية. غير أنه ومع هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” وتحسن تجهيز القوات المسلحة العراقية، لحماية الأمن الداخلي والدفاع الإقليمي، بدأت واردات الأسلحة العراقية في الانخفاض، العام 2018 (الرسم 2).

خسائر وإعادة بناء

وتطرق التقرير الى ما أدى اليه انهيار الدولة العراقية بعد الغزو، من نهب واسع النطاق وسريع جداً، للمعدات والأسلحة الخفيفة والمتوسطة وإستيلاء الأفراد عليها، الى جانب قيام نظام صدام نفسه بتسليح ميليشياته قبيل حدوث الغزو، الأمر الذي أدى الى وقوع ما يقدر بنحو 4.2 مليون قطعة من الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في أيدي المدنيين أو الجماعات المسلحة غير الحكومية، وهو ما لعب دوراً في إذكاء الصراعات الداخلية التي اندلعت بعد الحرب، إضافة الى تسرب كميات غير قليلة منها الى البلدان المجاورة.

ولم ينس التقرير الإشارة الى إستيلاء “تنظيم الدولة الإسلامية” على كميات كبيرة من الأسلحة من قوات الأمن العراقية في العام 2014، بحيث وُجد أن أكثر من 10 في المائة من الأسلحة التي تم استردادها من داعش، كانت في الأصل قد نهبت من مخازن الدولة.

ولهذا، نوه التقرير بجهود الحكومة العراقية لتحسين الرقابة ومعالجة أوجه القصور في أنظمة التحكم بنقل الأسلحة وخاصة المتوسطة والخفيفة، وتعاون العراق المثمر لإستحداث قاعدة بيانات SIPRI خاصة بأنشطة التعاون والمساعدة ذات الصلة بمعاهدة تجارة الأسلحة لعام 2013، وطلبه المساعدة في إطار برنامج عمل الأمم المتحدة بشأن الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة  (UNPOA، وتنفيذه لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1540 و الذي يطالب الدول بمنع الجهات غير الحكومية من الحصول على أسلحة نووية أو كيماوية أو بيولوجية أو وسائل إيصالها.

عمليات السلام متعددة الأطراف في العراق

وتحدث التقرير عن إستضافة العراق لعدة عمليات سلام متعددة الأطراف منذ عام 2003. تم نشر أولها، بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في أغسطس 2003 والتي لا تزال نشطة، وهي بعثة سياسية خاصة تم إنشاؤها بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1500 في 14 أغسطس 2003. وقد سهلت البعثة، من بين أمور أخرى ، الحوار الوطني وبناء الإجماع حول عملية الانتقال السياسي في عراق ما بعد الحرب، فيما تركز اليوم على إسداء المشورة للحكومة العراقية ودعمها ومساعدتها في مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك الحوار السياسي الشامل وجهود المصالحة وحقوق الإنسان وإيصال المساعدات الإنسانية. وتضم البعثة بين 500 و 600 فرداً (أنظر الرسمين 4و 5).

وحول بعثة الإتحاد الأوربي، أشار التقرير الى قيام الإتحاد بعمليتي سلام مدنيتين صغيرتين في العراق، ركزت على التدريب والمشورة في قطاعي سيادة القانون والعدالة الجنائية، إضافة الى قطاع الدفاع المدني، فيما أجرت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) مهمتين صغيرتين للتدريب العسكري غير القتالي، ركزتا على تطوير القوات والمؤسسات الأمنية العسكرية العراقية. كما أنشأ الناتو بعثة له في البلاد في عام 2018 وهي بعثة نشطة حتى الأن.

عرض مقالات: