اخر الاخبار

تعاني الكثير من البلدان في منطقة الشرق الاوسط وبشكل خاص العراق من مشاكل بيئية خطيرة نتيجة التغير المناخي الحاصل عالميا بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري التي أدت إلى ارتفاع معدلات درجة حرارة الغلاف الجوي لكوكب الارض.

من أخطر المشاكل التي يواجهها العراق على صعيد تدهور بيئته اتساع مساحة الاراضي المتصحرة نتيجة الانخفاض الكبير في معدلات تساقط الامطار على العراق في العقود الخمسة الاخيرة، والتي بدورها تسببت في اتساع رقعة الأراضي الصحراوية في البلد، نتيجة الجفاف الحاصل في الاراضي الديمية وتحول الكثير منها إلى اراض صحراوية جرداء، باتت تزحف باتجاه المدن والمناطق الزراعية القريبة من نهري دجلة والفرات. من جانب اخر انخفضت مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات وروافديهما عن معدلاتها السابقة خلال الفترة الانفة الذكر مما تسبب لاحقا في انخفاض احتياطي العراق من المياه العذبة التي يتم خزنها في البحيرات والسدود العراقية من اجل معالجة النقص الحاصل في المياه في مواسم الصيف عن طريق إطلاق كميات من الاحتياطي المائي الموجود في البحيرات والسدود إلى حوضي نهري دجلة والفرات ومنطقة الاهوار.

ينبع نهر الفرات من الاراضي التركية ويبلغ طوله من المنبع إلى المصب في شط العرب حوالي 2700 كم، يمر هذا النهر في ثلاث دول متشاطئة هي كل من تركيا وسوريا والعراق. انشات تركيا في العام 1970م سد كيبان والذي بدأ تشغيله وملئه بالمياه العذبة عام 1974م ومنذ ذلك العام بدأت تظهر بقوة أزمة المياه في كل من سوريا والعراق. تأثر كل من سوريا والعراق كثيرا بسبب نقص المياه الواردة من الجارة تركيا وتقليل حصة كلا البلدين المتفق عليها بمعاهدات سابقة من مياه هذا النهر. في عام 1989م أنشأت تركيا سدي قرقيا واتاتورك وشرعت ببناء عدد كبير من السدود على مساري نهري دجلة والفرات حتى وصل عددها إلى 276 سدا عام 2002م بما في ذلك سد اليسو. بلغ عدد السدود التي أنشأتها تركيا حتى الآن 585 سدا وهناك مشاريع لديها لبناء 17 سدا داخل الاراضي التركية. من الطبيعي أن يتأثر العراق سلبيا من جراء نقص المياه وعدم التزام تركيا بالاتفاقيات الدولية التي تضمن حصص الدول المتشاطئة من مياه الأنهر المشتركة. تنتج تركيا نتيجة بنائها للسدود حوالي 100 ألف ميكاواط من الطاقة الكهربائية المتجددة تستخدم للاستهلاك المحلي. من جانب آخر يعاني كل من سوريا وبشكل أكبر العراق من مشاكل بيئية عديدة نتيجة نقص امدادات المياه العذبة في حوضي نهري دجلة والفرات. عدد الروافد التي تغذي نهر الفرات داخل الاراضي العراقية قليلة مقارنة بنهر دجلة الذي تصب به العديد من الانهر والروافد بعضها ينبع من تركيا وإيران. قطعت إيران وحولت مياه 42 نهرا ورافدا إلى داخل الاراضي الايرانية بعدما كانت تجري بشكل طبيعي إلى داخل الاراضي العراقية، وبذلك منعت العراق من الاستفادة من حصته المائية بتلك الأنهر الأمر الذي أدى إلى جفاف الكثير منها بما في ذلك نهرا الوند والكارون.

ومن أجل ايجاد حل مناسب لهذه المشكلة ينبغي على العراق العمل على ضمان حقوقه بالحصول على حصته المائية في نهري دجلة والفرات عبر اللجوء إلى المحافل الدولية، والمتمثلة بمجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية. إن المساس بمصالح الدول المتشاطئة وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية يعتبر خروجا على القوانين الدولية التي تؤكد على ضرورة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين دول المنبع والدول المتشاطئة. إن ما فعلته كل من مصر والسودان في ما يتعلق بالمشكلة التي حصلت مع اثيوبيا بعد بنائها لسد النهضة يعتبر دليلا واضحا على صحة ما ذكرناه آنفا. من جهة أخرى يتوجب على الحكومة العراقية العمل بجدية على التخلص من نظم الري القديمة واستبدالها بنظم ري حديثة، تقلل نسبة الاهدار بالمياه من قبل المزارعين وذلك باعتماد طرق ري تعتمد على التنقيط والمرشات كذلك القيام بحملات توعية منظمة للمواطنين من أجل الحفاظ على الثروة المائية والتقليل من الاسراف في استخدامها من خلال التأكيد على اهمية الترشيد في استخدام المياه وعدم هدرها.

ان ارتفاع درجة الحرارة للغلاف الجوي في العراق وانخفاض معدلات الامطار فيه أديا ويؤديا إلى زيادة في عدد وقوة الكوارث الطبيعية التي تواجه البلد وعلى رأسها العواصف الرملية والترابية التي تكررت في السنوات الاخيرة بشدة نتيجة انحسار الغطاء النباتي وتحول مئات الالاف من الهكتارات من الاراضي العشبية والزراعية إلى صحاري رملية قاحلة بدأت تزحف باتجاه المدن، وتؤثر سلبا على صحة المواطنين وعلى البيئة في المدن العراقية بما قي ذلك العاصمة بغداد.

أدى الانخفاض الواضح في كميات المياه الواصلة إلى نهري دجلة والفرات إلى انخفاض منسوب المياه في شط العرب مما أدى إلى اندفاع اللسان الملحي لمياه الخليج العربي باتجاه شط العرب وصولا إلى مدينة البصرة، والتي باتت منذ سنوات تعاني من ملوحة المياه وعدم القدرة على استخدامها للري والاستهلاك البشري والحيواني.

إن النمو والتضاعف السكاني الكبير الذي حصل خلال العقود الخمسة الماضية في العراق زاد من حجم استهلاك المياه العذبة وهذا يمثل تحديا جديدا امام الحكومات العراقية في توفير المياه الصالحة للاستهلاك البشري والزراعي للمواطنين، هنا نود أن نؤكد ان الحفاظ على المياه ومطالبة دول المنبع باحترام حقوق العراق التاريخية بالمياه والموثقة بالعديد من الاتفاقيات الدولية يعتبر من أولويات عمل الحكومة العراقية باعتبار أن هذه القضية الخطيرة تعتبر من أهم مباديء الحفاظ على الامن القومي العراقي.

أدى ارتفاع درجة الحرارة للغلاف الجوي في العراق وانخفاض مناسيب المياه في الانهر العراقية إلى جفاف شديد في الاهوار العراقية خلال السنتين الماضيتين والذي بدوره أدى إلى تغيرات بيئية كبيرة تمثلت بموت الكثير من قطعان الجاموس ناهيك عن التدمير الذي حصل للثروة السمكية والطيور والنباتات في هذه المناطق الأمر الذي أجبر الكثير من سكان الأهوار إلى الرحيل والهجرة من مناطقهم إلى المدن القريبة بحثا عن لقمة العيش. تلعب المسطحات المائية دورا مؤثرا في الحفاظ على البيئة وتوازنها كذلك في تقليل درجات الحرارة في المناطق المحاذية لها، ان تجفيف الاهوار وانخفاض مناسيب المياه فيها يعتبر من العوامل التي أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة في العراق الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على البيئة وحياة المواطنين في هذه المناطق.

ارتكب النظام السابق جريمة كبيرة بحق البيئة العراقية عندما جفف الاهوار العراقية التي تعتبر نظاما بيئيا متكاملا موجود منذ آلاف السنين يتشارك به الانسان والحيوان والنبات، ويلعب دورا بارزا في الحفاظ على استمرار الحياة في هذه المنطقة. إن اي تغيير مفاجئ، غير مدروس النتائج للأنظمة البيئية المشكلة طبيعيا يكون تأثيره مدمرا على البيئة وايضا على الاحياء الموجودة فيها.

يواجه العراق مشاكل أخرى أكثر تعقيدا على حياة مواطنيه تتمثل بتلوث المياه والهواء فيه، من المعروف أن اغلب المدن العراقية الكبيرة تقع على ضفاف نهري دجلة والفرات، ان الكثير من هذه المدن لا تمتلك منظومات لمعالجة مياه الصرف الصحي وبهذا الشكل فإن المياه التي تستهلك من قبل المواطنين كذلك مياه البزل ومخلفات المعامل والمستشفيات تعود بدون معالجة إلى نهري دجلة والفرات وروافدهما الأمر الذي يؤدي باستمرار إلى زيادة نسب التلوث بالمياه. وتزداد نسب التلوث كلما اتجهنا نحو مدن الجنوب العراقي، تعتبر مدينة البصرة من أكثر المدن التي تعاني من تلوث المياه فيها لذلك نجد ان نسب الامراض فيها بما فيها السرطانية منها في تزايد مستمر كما وان المياه الواصلة إلى مدن الجنوب تكون معدلات تراكيز أيونات الكلور والكبريت عالية فيها.

ــــــــــــ

*ناشط بيئي

عرض مقالات: