اخر الاخبار

تقدم رواية "إسمي احمر" لأورهان باموق استحضارا مُلهما للحوار الثقافي بين البندقية والامبراطورية العثمانية. والكتاب هو احد اروع اعمال  تأريخ الفن التي اطلعت عليها على الاطلاق، وهو ايضا رواية مؤثرة.

الكتاب هو واحد من عدة كتب عن اسطنبول ساهمت بفوز باموق بجائزة نوبل في للأدب لعام 2006، وتقع احداثه في المجتمع الفني للعاصمة العثمانية في تسعينات القرن السادس عشر في وقت كان يتعرض فيه الفن الاسلامي لرسومات الكتب التوضيحية (المنمنمات) للتهديد من الابتكارات الاوربية الجديدة بما في ذلك المنظور والبورتريه. هل ينبغي لرسامي المنمنمات في اسطنبول ان يتبنوا بعض الاساليب الاوربية الجديدة ام يحافظوا على التقاليد.

لن تكون هنالك مخاطرة في الكشف عن بنية الرواية المتأسسة كإحدى روايات الجريمة. لم انته من الرواية بعد لكني استمتعت بتأريخ الفن في كتاب باموق بقدر استمتاعي برواية الجريمة. انه يتخيل ورش عمل فناني المنمنمات ويتيح لهم مناقشة تأريخ فن الكتب بشكل مفصل وكذلك تأثير الصين، والاعتقاد بأن الصورة يجب ان توضح القصص في الكتب، وايضا الجمال الرائع لتفاصيل المنمنمات.

تأتي معرفة هؤلاء الفنانين بالفن الاوربي بالكامل من البندقية ،المدينة الافرنجية التي كانت لها تجارة واسعة مع الامبراطورية العثمانية القوية . ويعتبر الاتصال بين الشرق والغرب ظاهرة قوية في فن البندقية. يمكن ان نحصل على صورة العصر الذي تتحدث عنه الرواية في متحف (ايزابيلا ستيوار غاردنر) في بوسطن، وهي من انتاج جنتيلي بيليني ،وهي تصور كاتبا شابا في بلاط السلطان محمد الثاني في اسطنبول جالسا ومرتديا اردية مزغرفة ورائعة، مركزا على عمله بينما يركز الفنان الاوربي الذي يزور البلاط العثماني على رسمه.

كيف نعلم انه فنان اوربي؟ لأنه يرسم وجه الكاتب الشاب بتفاصيله الشخصية (تكون المنقوشات في الفن الشرقي من منظور علوي يمثل النظرة العليا والكاملة للخالق، لذلك تظهر جميع مكونات الرسم بحجم واحد وترسم الشخصيات بشكل متشابه حيث العيون عبارة عن دوائر صغيرة متشابهة كلها، والأفواه عبارة عن شقوق وسط  وجوه مستوية مثل ورقة. ويرتكز الفن الشرقي على محاكاة الاعمال السابقة فوجود اسلوب للنقاش يعتبر عيباً – المترجم). انه مثال رائع لنوع البورتريه الفينيسي الذي تتجادل حوله شخصيات اورهان باموق. هل هذا الكشف عن الخصائص الفردية في لوحة ما هو انتصار فني رائع ام اعراض انانية غير اخلاقية؟ هل سيكون من الانحطاط او التطور ان يتبنى الفنانون العثمانيون مثل هذه التقنيات؟

في الواقع ربما كان الهدف من الصورة التي تم ربطها بألبوم تركي هو لمساعدة فناني المنمنمات الشباب على تعلم مهارات الفن الفينيسي. زار بيليني البلاط العثماني في اواخر سبعينات القرن الخامس عشر. واذا كان هو صاحب هذه اللوحة فهل يكون قد تركها كأداة تعليمية؟ اذا كان الأمر كذلك فأنه يقدمها بذكاء للفنانين المدربين على التقاليد الاسلامية من خلال احترام قدراتهم الخاصة. هذه في الواقع تحفة من روائع  الحوار الثقافي. في حين ان تصوير ملامح  وجه الكاتب الشاب كانت وفق الاسلوب الفني  لمدينة البندقية، الاّ ان وضعه وتفاصيل ملابسه الجميلة تتميز بتجريد هادئ ودقة شبيهة بلوحات الفن الاسلامي العظيمة.

تعلم فنانوا البندقية بحماس من الشرق. هنالك القليل من القواسم المشتركة بين ضوء والوان الرسم الفينيسي وفنون عصر النهضة الايطالية الاخرى. لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع الثقافات الشرقية الغنية التي حصلوا على كنوزها النفيسة عن طريق الحرب او التجارة. وبينما احتضنت  البندقية الحس الزغرفي الاسلامي، بحلول اواخر القرن الخامس عشر كان فنانو البندقية يستعرضون في اسطنبول مهارتهم في فن البورتريه الحديث.

يخلق باموق عالما يكون فيه الشرق والغرب عند نقطة تحول في علاقتهما، ويعكس الفن لحظة الاختيار هذه، على حافة الحداثة. رواية "إسمي احمر" رواية جميلة تحكي قصة الفن بطريقة جديدة، غير مألوفة وساحرة.

* (من صحيفة الغارديان البريطانية)

عرض مقالات: