اخر الاخبار

العشّار.. قلب البصرة النابض بالحيوية والعمل نهاراً وليلاً منذ عشرات السنين.. من لا يعرف هذا القلب أو يتغنى به؟!

لم يزر أحدٌ البصرة إلاّ وتجوّل بين أزقة مركزها العشار وشوارعه وأسواقه، بدءا من البجّاري وشارع الكويت وأسواق المغايز والبنات والخضّارة وصولاً الى الداكير.. كلّها أماكن كانت تعجّ بالحياة في النهار، حركة دائبة لا تهدأ أبداً. وفي الليل تشع الأضواء ويتعالى صخب الحانات والنوادي والسينمات والبسطات وعربات الباعة المتجولين!

دورة الحياة هذه مستمرّة بكل أشكالها منذ عشرينيات القرن المنصرم، مروراً بأحداث ومواقف وانتفاضات وإضرابات وحكايات كثيرة، حتى الحرب العراقية - الإيرانية بسنواتها الثماني المتلفّعة بالموت والخوف والقلق. حيث كان العشار محطة استراحة للجنود.. وقود الحرب القادم من سواتر النار والدم!

ثم في سنوات التسعينيات، حيث الحصار الذي بدأ ينخر الجسد العراقي شيئا فشيئا، لتكملها سنوات الفساد والطائفية والمحاصصة المقيتة بعد 2003، فيُهمل قلب البصرة هذا ويتحول جمال اللوحة التي سحرت الرحالة والمستشرقين والسائحين إلى قبح وخراب!

مجارٍ طافحة، روائح عفنة، قمامة وأزبال، جرذان صغيرة وكبيرة.. كل ذلك يملأ اليوم شوارع العشار وأزقته. عشوائيات في كل شيء من الإبرة حتى السيارة الكبيرة، تزاحم لا يوصف إلا بالفوضى.. تلك الفوضى التي حوّلت هذه الأماكن التي كانت تزهو جمالاً وبهجةً وموسيقى وقلوبا متآلفة محبّة لبعضها، إلى هرج ومرج لا يوصفان!

حين تدخل العشار من جهة ساحة أم البروم، التي دُمِرَ ما فيها من معالم فنية وأزهار لتصبح عبارة عن حفر ونفايات مبعثرة، والتي بات «تمثال العامل» ينظر إليها كئيباً متحسّراً على جمال تلاشى بفعل الفساد والإهمال، تجبرك المجاري الطافحة على أن تعبرها بحذرٍ، خوفاً من أن تطمس قدماك فيها!

اختفت السينمات وحلت بدلها محال لبيع الملابس والأدوات المنزلية وما شابهها، مثلما اختفت محال التسجيلات لتُفتح بدلا عنها أبواب محال لبيع «حاجة بألف»!

القمامة ومخلفات الدكاكين والبسطات من كرتونات وأكياس، تتطاير أمام ناظريك، يزاحمك الراكب والماشي وصاحب العربة والدرّاجة النارية والتكتك، فتمشي حذراً من أن يصدمك أحدهم ويتركك على قارعة الطريق تتألم وحيدا!

 لا تتعجب من كل ما ذكرته أيها القارئ العزيز، فأنا حتى الآن تحدّثت عن جانب واحد من العشّار ولم أعبر إلى الصوب الثاني، لأن ذلك يحتاج إلى حديث آخر، ولكل مكان منه حكاية!

العشّار ذلك القلب النابض بالحركة والجمال صار صاخبا بكل شيء، لن تفهم منه شيئا، للأسف!