اخر الاخبار

لقد تناول الكثيرون من الباحثين وطلبة الدراسات العليا خاصة بعد زوال النظام القمعي الدكتاتوري، بدايات نشوء الفكر الماركسي في العراق، ولعلّ كتاب الباحث (حنا بطاطو) يقف في الصدارة منها إذ يعتبر أهم مرجع أغنى المكتبة العربية بأهم مؤلف كتب عن العراق المعاصر وهو في حقيقته أهم مصدر أرّخ الحركة الشيوعية بالعراق.

أستطيع أن أقول إن بدايات دخول الفكري الثوري اليساري أي الفكر الماركسي الى العراق حصل بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية وتحديداً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام  1917 ، فقد بادر المناضل الثوري المثقف حسين الرحال بصحبة شقيقته أمينة الرحال بتشكيل أول خلية تنظيمية  ضمّت مجموعة من المثقفين بداية عقد العشرينات من القرن المنصرم وكان على رأسهم (مصطفى علي) الذي أصبح وزيرا للعدل بعد ثورة تموز 1958 وكذلك محمد سليم فتاح وعبد الله جادو  والصحفي والكاتب المعروف عوني بكر صدقي الذي أصبح رئيس تحرير صحيفة (صوت الأحرار) التي صدرت بعد ثورة تموز، إضافة الى عنصر مهم هو محمود أحمد السيد الذي دشّن عالم كتابة الروايات في العراق بمؤلفه (جلال خالد).

ثم التحق بهم الجيل الثاني من الماركسيين وهم زكي خيري الشيوعي المخضرم وعاصم فليح الذي انتهى به الحال ليكون أشهر خياط في بغداد وغيرهم الكثير، ثم انتشرت طلائع هذا الفكر في مدينة البصرة على يد عبد الحميد الخطيب وسامي نادر وعبد الوهاب محمود الذي أصبح وزيرا للمالية نهاية الأربعينات، وبعد ثورة 14 تموز المجيدة تسنم منصب سفيرا فوق العادة في الاتحاد السوفييتي، ثم امتد هذا التنظيم الثوري الى مدينة الناصرية على يد ( يوسف سلمان ـ فهد ) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي وأخيه داود سلمان وغالي زويد ، وفي الأربعينات امتدت تأثيرات هذا الفكر لتعم العراق بأسره حتى بادرت الحكومة الرجعية وبتوجيهات من بريطانيا الى شن حرب ضروس لاعتقالات الآلاف من الشيوعيين وأودعوا السجون والمعتقلات وكان من ضمنهم القادة الكبار يوسف سلمان (فهد) مؤسس الحزب وزكي بسيم و حسين محمد الشبيبي أعضاء المكتب السياسي وقد قدموا الى محكمة صورية وحكم عليهم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم في الساحات الرئيسية من بغداد.

الاّ أن ذلك لم ينه هذه الحركة بل ازدادت اتساعا وانتشارا، وفي منتصف الخمسينات عام 1956 دخلت كعضو فعال في جبهة الإتحاد الوطني التي ضمت الأحزاب المعارضة للسلطة العميلة وهي الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث إضافة الى الحزب الشيوعي، وقد لعبت هذه الجبهة دورا مؤثرا بالتعاون مع حركة الضباط الأحرار للقيام بثورة 14 تموز الخالدة.

لقد آمنت هذه الصفوة من المثقفين الثوريين الماركسيين بأن لا حل لمعضلة الفوارق الطبقية واستغلال الأنسان لأخيه الأنسان والقضاء على الفقر الاّ بامتلاك الدولة لوسائل الإنتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على البطالة. الاّ أن الاستعمار ممثلا ببريطانيا وأمريكا ارتعب من امتدادات هذا الفكر خاصة في العراق كونه بلدا بتروليا ويمتلك ثروات هائلة، لذا عمل المستحيل في سبيل المجييء بحكومات شوفينية كي تشن حروب إبادة ضد الشيوعيين وهذا ما حصل في انقلاب 8 شباط 1963 وعودة حزب البعث في عام 1968.

الاّ أن الحزب الشيوعي رغم تعرضه الى هذه الحروب وتأثره بصورة كبيرة بفشل التجربة الاشتراكية التي شملت المعسكر الاشتراكي بأجمعه ظلّ وفياً الى الفكر الذي آمن به ولا زال يعمل رغم كل هذه الظروف المعادية متأملا انتصار الشغيلة والبروليتارية في نهاية المطاف.

عرض مقالات: