اخر الاخبار

برحيل الفنان ياس خضر تكون اغنيته الكبيرة ( البنفسج) قد اكملت وداعها الحياتي بعد رحيل شاعرها الكبير مظفر النواب قبيل عام وأكثر ، سبقه ملحنها طالب القرغولي بأعوام.

في صيف شامي جمعتني بالقرغولي جلسة طغى عليها مزاحنا ، وكانت علاقته بياس خضر تشهد نوعاً من الجفاء فقلت له ممازحا: (لولا طالب لهلك ياس ) وبقدر ماهي مزحة إلا ان نوعاً من الحقيقة يتضمنها قولي) اذا ما أردت الكتابة عن تجربة الفنان ياس خضر ، لمجرد الالتفات إلى بداياته الفنية وعلى الرغم من ما يمتلك من خامة صوتية لا تخلو من نبرة قارئ حسيني ألقت بيئته النجفية بمؤثراتها على تكونه الأول اذا ماعرفنا بأن الغناء هو نتاج بيئوي أولا. نتذكر بدايات مشوار ياس الغنائية التي امتازت ببساطتها ك ( الهدل، ابوزركه طلع من بين البيوت....الخ) والتي ركنت في خانة النسيان أو الاهمال لولا عبقرية طالب القرغولي وقابليته الذكية في توظيف هذا الصوت لما انتظره من مجد لربما لم يكن متوقعا فمنحه لحنه الخالد عبر قصيدة ( البنفسج) فكانت الانتقالة أو الانعطافة الحادة في حياة ياس خضر الفنية وهكذا ابتدأ مشواره الأهم ليعلن عن ولادة حركة التجديد في الأغنية العراقية . اندفع ياس بحكم لهفة النجاح لينسجم مع ألحان أخرى صنعت منه ماكان يطمح له فتوالت المنجزات اللحنية لتمنحه قفزات مضافة في نجاحاته الساحقة وشهرته الواسعة التي امتدت عربيا لتجعل منه صوتا غنائيا ممثلا للعراق في فعاليات الغناء العربي عبر العديد من اغنياته التي رسخت في وجداننا ( روحي ،المكير، مغرببن، شموع الخضر ، ياحسافه.، تايبين..الخ) . ان الحقبة الزمنية التي شهدت نجاحات ياس خضر اتسمت بوعي صانعي الأغنية من شعراء وملحنين ، إذ كان وعيا جماليا وثقافة أدبية وإمكانيات صوتية هي التي حققت تأسيس خطاب غنائي نفض عن الأغنية العراقية غبار رتابة التقليد والتخلص من مؤثرات الغناء المصري المهيمن على الغناء العربي برمته ومنحها طابع الخصوصية والتفرد . من الوقائع الحية التي لا يمكن تناسيها ما حصل في اغنية (حن وانه احن) وهي قصيدة للنواب اسمها[ زرازير البراري ] .

بينما الحرب العراقية_ الإيرانية تدور رحاها والإعلام العراقي يضع كل امكانياته التعبوية لخدمتها وشيوع أغاني الحرب حتى في حفلات الاعراس ، اختلى طالب مع ذاته ولربما حاورها فما من خلاص تجاه عتبها سوى اعتذاره الجمالي بصياغة لحن يليق بتلك الكلمات وليمنحها إلى ياس خضر، الا ان سرعان ما همس ولربما كتب وشاة المؤسسة باسم مؤلفها _ النواب_ الذي كان محظورا تماما ، وتحت ضغط رسمي لايخلو من ايماء خطير اضطر طالب لتغيير كلماتها بواسطة صديقه الشاعر زامل سعيد فتاح الا ان اللحن بقي كما هو. اليوم ..

والبنفسج تطوي اخر صفحات حياتها، نكون قد خسرنا فنانا احب شعبه الذي بادله بذات الحب حتى منحه ( صوت الارض) كوسام محبة لم يصدر عن مؤسسة ولا نقابة.

لن نقول وداعا لكل من غرس الجمال في هندسة ذائقتنا . فالغناء زاد الشعوب وهوية الأوطان.

عرض مقالات: