اخر الاخبار

ينتظم العرض ضمن سياقات عروض منتدى المسرح وتتابع تجارب متنوعة التأويل لدى المخرجين التجريبين وخصائصهم الاسلوبية وطبيعة رؤاهم الفنية بمقاربة لمنظومة، القهر، والخوف، والحزن، والظلام، المتصدر لخطاب العرض المختبري بدلالاته الاجتماعية.

حاول المخرج: د. صميم حسب الله، تقديم علاقة ما بين اسرة مقهورة متشظية، نتيجة قهر السلطة وتدميرها، لكينونة الاسرة باستخدام قوة مهيمنة متوحشة، لانتهاك سلام الأسرة وتدميرها.

حاول المخرج استقراء ذلك القهر والدمار الذي حل بالأسرة والذين باتوا مجرد أفراد يقبعون رهن، زنزانة بيتهم.. مستنبطا فرضيته الاخراجية من مدونة الكاتب حيدر جمعة التي اختزلت فيها الحوارات لتتحول من نسقها الكتابي الى فضاء العرض، بتقانات وابعاد حركية، واشارية، واصوات مهموسة، وصرخات تارة مدوية وتارة مختنقة، مذعورة لتعبر بردود افعالها هذه عن ذعرهم من رجل المعطف السادي الذي يداهم منزلهم وهو يستمرئ تعذيبهم والتنكيل بسلامهم الاسري.

اقام المخرج صياغة مرئية فرجوية للعرض ببعدها البنيوي في مقاربة المذهب الطبيعي بتجريب فائق، يخرق المنظور المحاكاتي فيصبح فيها الجور والممثل متماثلين جسدا وروحا وهما يكابدان كل ضروب الآلام ويعكسانها في منصة العرض، امام الجمهور، ليرى المتفرج اسرة متكونة، من اب وام وابناء، محاطة بالرعب الداهم من قبل صاحب المعطف، وهو يخترق المنزل بقرع الباب، بضربات قوية متصاعدة، ليجبر الاسرة على فتح الباب له ليعبث بحرمة المنزل وهو يسير بخطى واثقة يتحكم بإدارة مصائر ساكنيه، زارعا الخوف بأفاعيله الاجرامية الصادمة. 

يتوزع منظر سينوغرافيا العرض على أبواب خلفية وجانبية وسلاسل وصندوق حديدي من الجهة اليمنى وكدس طابوق من اليسرى، تجثم الام وولديها على الصندوق وينتقل الابناء الى الجهة اليسرى فوق الطابوق وهما مقيدان بسلسة حديدية ويتصارعان وينطرحان ارضا ما بين عدوانية الاول وسلام الاخ الاعمى.. بذريعة ان الام تحب.. الاعمى أكثر منه وتلبي طلباته.

لطخت الابواب في منظرها العام باللون الرصاصي، تارة تكون خلفيتها معتمة واخرى مضيئة، وتصبح مقترنة شرطيا بالظلمة، اذ ما ان تضاء لبرهة عابرة حتى تحدث مأساة، وهذا ما يجعل الاب، يسارع لإغلاق بوابات هذه الغرف ليحمي اسرته من النازلات، والانتهاكات، ويتواصل انين الاعمى منذ البدء وحتى المنتهى، حيث يظهر افراد الاسرة معفرة ملابسهم السوداء، بالتراب وبأشكال متسخة، وتتصاعد وتائر الرعب حين يقتحم الابن احدى الغرف ليعود بكفن لأخيه المفقود الذي قتل غدرا مما يدفع الام الى احتضان هذا الكفن وكذلك كفن جثمان ابنتها ايضا ببكاء مّر، وتتوالى الانتهاكات التي تتعرض لها الام، حين تعرض صورها بطريقة وقحة في وسائل التواصل، وهذا الفعل، يقوم بتنفيذه رجل المعطف حيث زرع كاميرات في غرف النوم ليصبح منزلا للأقنان والتحكم فيه ورهن ارادته ونزواته الاجرامية.

حفل العرض بإيصال ما تكابده الاسرة من تعذيب اذ تتساقط من فوق سلاسل معدنية، متلاطمة من الاعلى الى ارضية المنزل.

وأختتم العرض بتقنيات الضوء واللون وبأشكال متعددة واسهم مرئية انتشرت في الفضاء والفراغات وتحت امرة، صاحب المعطف، والحارس، لبوابة النظام. لعب الممثلون أدوارهم بأداء احترافي خلاق اذ ادى دور الاب: يحيى ابراهيم بقدراته الإبداعية المعبرة وأدت دور الام رضاب احمد لتعكس صورة نقية طاهرة لقديسة باتقان ورقة مشاعر للأمومة النبيلة. وشاطرهم بنسق التمثلات الأدائية الرفيعة، بهاء خيون، بإجادته لدور الاعمى وتقمص انفعالاته، ومعاناته، وسلامة طويته، كذلك أجاد هشام جواد دور الأخ القامع لأخيه والذي وظف صراعه مع اخيه الاعمى بحركات وتعبيرات ووضعيات جسدية خشنة، بالضرب، والسقوط والتدحرج العنيف؛ وتحوله الى الاعتذار من امه. وأخيه.. وأجاد، احمد المختار دور رجل السلطة، بسلوكه المريب تأثير صوته من خارج منصة العرض. وحقق الفنان السينوغرافي المبدع علي محمود السوداني، وكذلك في شفرات التأليف لكاتب النص الفنان المسرحي حيدر جمعة، التي عكست علاماتها الدراماتيكية، بدلالاتها القصدية وتحولاتها التي فتحت تحفيزات رؤيوية للإنجاز الإخراجي، بأبعاده المشهدية وتقنيات المؤثرات الصوتية والضوئية والصورية المجسدة بمهارة متقنة، وبات العرض، كما وصفه الفنان المسرحي المبدع، احمد حسن موسى، بالقول: “لنبحر سويا برحلة مليئة بالمحبة، والدهشة والجمال”.

عرض مقالات: