اخر الاخبار

لم يتوقف شاكر لعيبي عند التجريب والتجديد عند زمن معين، فهو بالرغم من تصدره لأسماء المحدثين في الشعرية العراقية لما بعد1980 فقد شكل ظاهرة جمالية تتجاوز التصنيف الى عمق دلالات القيمة الفنية لشكل القصيدة الجديدة. ومؤلفه الأخير اوريغامي مغامرة جديدة تعزز تراثه في التجريب الشعري. وبدءا بالعنوان سنوضيح الآتي:

يعرفه شكر لعيبي بـأن: الاوريغامي هو فن طي الورق، وتحيل الى مصطلح شامل لجميع ممارسات الطي بغض النظر عن ثقافته الأصلية.

لنتابع حسب الآتي:

أ-تصنيف: عند متابعتنا لمقطوعات الكتاب الشعري البالغة سبعة وثمانون نصا؛ وجدنا ان المعني بالاوريغامي ثلاثة أطر للفعل الشعري :ـ (التعبير عن المهمل من القضايا، الموجز من القيم الفنية، والمعمق من التقنية). وقد وزعها الشاعر الى:

1ـ قصائد نثر بطريقة فهمه تزيد جمل الواحدة على خمسة عشر سطرا. وتحقق مبدأ الاوريغامي عبر لقطات النهاية،مع التركيز على المهمل والتفصيل التشككي للمبصر.

2ـ قصائد نثر شعرية ما بين (سبعة الى ما دون خمسة عشر سطرا) متشكلة بطريقة نظام الكتلة في لوحة الرسم التشكيلي. تحقق مبدأ الاوريغامي عبر التركيز على المهمل والتفصيل التشككي للمبصر.

3ـ رقائق اوريغامية لومضات شعرية؛ تمثل (قصاصات صغيرة جدا): وهي تتشكل بتقنية الاوريغامي كاملة عبر أساليب؛ الايجاز الشديد لسطح الورقة+السعة الكبيرة لمساحة البياض (فضاء التأويل)+الغموض الساحر لانزياح اللغة+ خميرة التفصيل التشككي للمهمل البصري. 

ب- احصاء: من جهة الاحصاء يمكن التوصل الى ان (النوع الأول=8 قصائد/النوع

الثاني=31قصيدة/رقائق اوريغامية =48).

يمكننا ان نلاحظ على هذه المجموعة الشعرية (اوريغامي) الآتي:

1ـ ان الاحصائية العددية تعطينا أول مؤشر،هو غلبة نظام الاوريغامي في نظام هذه المجموعة الشعرية، فضلاً عن ان أطول قصيدة عنوانها هو اوريغامي موزع على خمس مقطوعات شعرية.ومعنى ذلك ان الشاعر حوّل مساحة عمله الى تجربة شعرية بمساحات متعددة لمبدأ فني قيمي هو فعل طي الورق، ليطوي به كل قضية فنية او ثقافية،ضمن موجزاته المضمومة بين طيات الورق. 

2ـ ان الغلبة العددية لرقائق منحوتات شعر الاوريغامي تحيل الى ان الشعر هذا قد يكون بديلاً للهايكو الذي يتوسع العمل عليه حاليا.  

3ـ نظام الكتلة؛التي هي الدفع بالفكرة ككتلة واحدة تشبه اللوحة لكن بمستويات اداء طبقية تجعل العمل مقصودا وتأسيسيا كعادة الشاعر في جُل كتبه الشعرية والمعرفية.       

 ج اجراء: في هذا الاجراء سنأخذ ثلاثة نماذج لأجل التوضيح على النحو الآتي:

* مقطع من قصيدة (اواخر العام) الطويلة، ص100 من مجموعة اوريغامي الشعرية:

السنة الجديدة تمضي قدما بجسارة، ولا تتراجع.                          

انتهى الاحتفال برأس العام، ماذا سنفعل بهذا   

الجرو الغامض الذي هو حياتنا؟  

لنتابع القصيدة على الأُسس الآتية:  

ـ التعبير عن المهمل من القضايا:وأهمها قضية الاحتفال بذبول سنين العمل،فيفترض ان يكون الاحتفال بالإنجاز لا بالزمن!  

ـ موجز القيم الفنية: قيمة الفتنة الفنية تتضمنها (استعارتان=اشارتان) هما الجسارة واللا تراجع؛ اذ هما ايجاز دقيق ومكثف لمقدار الانكسار والأسى لفقدان الزمن الذي يمر بلا جدوى. 

ـ المعمق من التقنية:المعمق هنا يكمن في الازاحة المبهرة، كون الاحتفال يكون في رأس العام الغامض المجهول يهمل الزمن الذي مضى كأننا لم نحتفل به قبل عام.والأكثر اعجازا هو العجز عن استعادة ما فات من عمر حياتنا، بل ثمة تشبيه غاية في الضبابية والوضوح؛ انه (الجرو الغامض=عمرنا=حياتنا الماضية). واني أُخمّن بأن الايحاء بالتصاغر لقيمة الإنسانية هي العجز القيمي من الإتيان بقيمة فنية تعبر عن حيف الفقدان الأزلي. لقد تحقق مبدأ الأوريغامي من التحليل السابق عبر لقطات النهاية من ثاني أطول قصائد المجموعة،فلقد ركز الشاعر على المهمل (العمر) والتفصيل التشككي (الزمن)،والمبصر الغامض (الفقدان).

* مقطع من قصيدة (امام شجرة السرو).  

[كلانا نهدي سلالنا

للساهر امام وردة الميلاد الحجرية

نرش نجيماتنا على رأسه

ونهمس معا:اكشفي كنوزك

ايتها الليلة

اكشف خرائبك ايها الليل

السابح في حدقة الطفل]  

يمكن ان نطبق ذات المبادئ على هذا المقطع لتكون القضية المهملة هي اليأس،والقيمة الفنية هي ازاحة السباحة في حدقة الطفل.والمعمق من التقنية هو الأنسنة. اما التحقق الاوريغامي فيكون عبر استحالة الاهداء للنجيمات،واستحالة الاستعارة بين ليل العيون وكنوز السواد لأن لا رأس للّيل كونه زمناً تشككياً.

* مقطع من ومضة بورتريه المتعجرف 

يذهب حافياً الى ليل الغابة بحثاً عن الشعر، بينما 

يرشحُ الشعرُ تحتَ سلّاميات أقدامه.

سفيه بشفاه مُحمرّة ممطوطة، لا يعرف ان البدر لا يدوم إلّا ليلة واحدة.

في الطريقة ذاتها وفي التناول يمكن التوصل الى ان:القضية المهملة هي التجاهل الأدنى من الجهل، وأن القيمة الفنية هي قيمة للهايكو الفطري الذي يتشكل دونما قصد عبر ضرورات لشعر البيئة،وان المعمق من التقنية هو جعل الكائن الصوري كله طبيعة من شعر.

يتحقق المبدأ الاوريغامي عبر ليل الغابة لليلة البدر الوحيدة، كون ذلك رقيقة تطوى بها جملة سطوح المعاني تحت ظل غموض جميل يدخل الوجدان كتلة واحدة تحتوي المعنى المعقول والوجد الذي لا تفسير له سوى الحس بالمبهم الجمالي لفتنة المطلق.