اخر الاخبار

( 1 )

المناضلون الشهداء يعودون باستمرار، يطرقون الذاكرة، يبددون الهواجس، يهوّنون تعارضاتنا الوجودية. وبذلك نصحو على قِصَرِ قاماتنا امام امتدادهم في العلّو والاعالي، وهكذا نتطامن بحضورهم، هذا الحضور الذي يقاوم الغياب والمحو.

( 2 )

الشهيدان الخالدان، حسين محمد الشبيبي وجمال الحيدري، حينما تستعيدهم الذاكرة، فإنها تستعيدهم حضورأً نضالياً تأصيلياً، تستعيدهم صورة ً للبدايات المستمرة التي تدفعنا للتمثل والامتثال، تدفعنا لأن نتلمس عقدة الشنق في الرقبة. ولا نفاجأ حين تكون البدايات متجذرة في الابداع الادبي ايضاً، بعد التأصيل النضالي المعمّد بالتضحية والشهادة، ولا غرابة في ذلك، حيث ان الحزب الشيوعي العراقي المجيد يُقيم صلاته مع الحياة نضالياً وثقافياً منذ التكوين الأوّل، من اجل انسان أرقى وحياة أنقى ووجود أبقى.

( 3 )

الشهيد الخالد حسين محمد الشبيبي، كتب في مجال النقد (حيث تبدو المعالجات التي كتبها عن الادب في بداية الاربعينات انجازاً كبيراً ومهمّاً في هذا المجال. كان يمكن لولا ضغط الاحداث ولولا الظروف الصعبة التي عاناها الحزب الشيوعي أن يتطور ويغتني من خلال المنطلقات الصائبة التي استند عليها – من مقدمة كتاب سلاماً ايها الحزب ).

والشهيد كتب الشعر، وجعل منه موقفاً نضالياً تحريضياً ضد كل ما يسلب حرية الانسان ويقوّض وجوده. وكان لهذا الدور الفعل الذي يعزز صلابة المناضلين سواءً كانوا في المعتقلات والسجون أو خارج اسوارها. ومن شعره قصيدة (موكب التاريخ) التي أُلقيت عام 1948 في سجن الكوت، ونُشرت في مجلة (الثقافة الجديدة) العدد الرابع السنة الأولى، وقد كُتبت بالشكل الشعري السائد في تلك الايام، الشكل الذي يجعل من الايقاع  والقافية منبهات تخترق الصمت برنينها الموسيقي المُدوّي الذي يشدّ العزم ويُعلي الشكيمة :

موكبُ التاريخِ للنصرِ اندفاعا...والى النجمِ سموّاً وارتفاعا

وأغذ السير َ مقرون َ الخُطى... بالدم ِ القاني حماساً وانتجاعا

وبأرواح ِ الضحايا صُعداً... وأماماً لا انحداراً وارتجاعا

وبهدي الفكر ِ من منبعه ِ... نحن ُ والباغي احتراباً وصراعا

إذ دحرنا الظلم َ فازددنا اختباراً...فدفعناه ُ فزودنا اقتناعا

اننا نحن ُ المريده حياة ً... والمشيده اصطباراً واضطلاعا

موكبَ التاريخ ِ لا زلت َ شعاعاً...لمريدك َ فطاما ً ورضاعا

......،

ايها الموكب ُ..،

يوم اكتوبرَ يامجداً مشاعاً...لبني الدنيا وياعهداً تراعى

انت َ للعامل ِ والفلاح ِ وال...كادح ِ المتعوب ِ والحرِّ جماعا

القصيدة طويلة، وقد تجاوزت الخمسين بيتاً، مما يُدلل على طول النفَس الشعري، كما انها جاءت على وزن ٍ واحد ٍ، بحر الرمل، وبرويٍ واحد ٍ ايضاً ، وبذلك يكون الشاعر / الشهيد متمكناً، ومدركاً للبناء الشعري ونظام الشعر في شكله الأول. ولأهمية هذه القصيدة فقد تصدرت قصائد كتاب (سلاماً ايها الحزب) الذي صدر عام 1974 لمناسبة الذكرى الاربعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي المجيد.

( 4 )

أما الشهيد الخالد جمال الحيدري، فهو الآخر شاعر يُجيد ممكنات الشعر الكردي واساليبه المتنوعة، وقد تمكن ببراعة فنية ان يمزج النضال في شعره مع الافتتان بالطبيعة والجمال وهسيس صبوات العشق وحب الوطن واستذكار الشهداء، وهكذا، كان متوحداً مع انسانيته والآخر، متوحداً بإبداعه ونضاله، النضال المتوّج بسموِ الشهادة، تضحية ً عالية َ الصوت والصدى.

من قصائده، قصيدة ( مم وزين ) المكتوبة عام 1960 في موسكو وقد قام الاستاذ محمد الملا عبد الكريم بتعريبها ، نختار منها بعض المقاطع التي تستطير غنائية ً وشفافية ً :

مم : -

زين.. يازيني

ياحبيبتي العزيزة على القلب

مدّي لي يدك، فالقلب على وشك ان يطير

انهضي لنذهب معاً، لقد اخضرّت الارض..وأرض كردستان،

بعد رحيل الشتاء.

عروسة الدنيا..جميلة كالجنّة

آه ما اروعها..ما ابدعها..إنها كقلوب المحبين

العيون والينابع،

تتفجّر كأكباد الشهداء..

والشقائق،

زاهية بلون الدم.. كقطرات الدموع،

تذرفها عيون الفتيات.. وحبّات الندى،

عندما ينقشع الضباب،

كمرآة فضيّة..صافية.

زين :

حقّاً ياحبيبي !

نحن في عنفوان الربيع، وانك صادق فيما تقول

انهض..بالله عليك

لنترك المدينة، فقد تأخر بنا الوقت

لنمش ِ بعيداً شطر َ الحدائق والمروج

اننا سكارى الحب،

وفي صدرينا يخفق قلبان طريّان...

( 5 )

في المفتتح الاخير، يتأكد حضور الشهيدين في الذاكرة، نضالياً وابداعيّاً وسموّاً في التضحية..انها علامة الذين ليسوا كسواهم...

عرض مقالات: