اخر الاخبار

في الذكرى التسعين لولادة صحافة الحزب  الشيوعي العراقي المجيد، تستعيد الذاكرة أطيافا ً من الحُلم الثوري / الثقافي، أطيافاً  تُشاكس النسيان، كونها غريزة عقلية وروحية أوجدتها ضرورات الانحياز الطبقي المبكّرة – تلك التي نمت تراكميّا ً لتكتسب حالة الثبات في التكوين الحياتي/ الوجودي. إن َّ تفتّحات الوعي التي أدركتُها وأدركتني منذُ نهاية الستينيات في القرية أولاً وفي المدينة لاحقاً – والتي أشارتني إلى صحافة الحزب -  شغلتها مفردتان كان يرددها بعض الفلّاحين، ألا وهما (اتحاد الشعب). علقت هاتان المفردتان في الذاكرة إلى أن كَشف السّر يوم انتميت إلى (اتحاد الطلبة)  في المدينة، وقد اهتديتُ إلى المعنى ودالّة المعنى. لم أطّلع على أيِّ عدد من تلك الجريدة، غيرَ أن َّ  خُلاصات التفاصيل خطفت مدركاتي، إذ عرفت أنّها جريدة الحزب الشيوعي العراقي المجيد، فكراً تقدمياً يساريّا،  وانحيازاً للطبقات المسحوقة من عمال وفلّاحين  وشغيلة الفكر والأدب وعموم الثقافة، انحيازا لهذه الطبقات من أجل وطن حر وشعب سعيد. في بداية  السبعينات، سنوات الدراسة الجامعيّة، كان الالتحام الضرورة مع: طريق الشعب، الفكر الجديد، الثقافة الجديدة. فمن خلال هذه العلامات العالية، تشجّر الوعي بالمرتكزات الأدبيّة والثقافية والانحياز الطبقي، ومعنى الوجود من أجل حياة أنقى وأبقى وأرقى. لقد وجدت ما كان ينقصني عقليّا ً وروحيّا ً وارتضيت ُ المستقر َّ الأخير ، وكم كان هاجسي أن أكون من بين كتّاب (طريق الشعب). لقد تحقق الحُلم يوم َ نشرت ْ لي أوّل قصائدي - وماتلاها - وما كان النوم ليأتيني من شدّة الفرح في ليلتها يوم ذاك. إن َّ استعادة الذكرى التسعين لولادة صحافة الحزب، ما هي إلّا استعادة الذات، بعد استعادة الذات الأهم،  ذات الحزب، وصحافته الحيّة  التي كرّست وجودها من أجل طبقات المجتمع كافة،  ومن أجل ثقافة تقدميّة ترتقي بالإنسان إلى المصافات الأعلى لكي  يتجوّهر وجوده في عالم أدركته صيحة الظلام ومخالب الرأسمالية السوداء. ومن ذاكرتي عن صحافة الحزب،  أستعيد حادثة ً طريفة ً  حصلت  معي  في عام  1974، إذ  اقتنيت  يوما ً (طريق الشعب) وجلست في مقهى أُطالع دروسي، لكنّي بدأتُ أولاً  بها كاستهلال يفتح رغبةَ المطالعة. كان قربي شخص لا حظته ُ يراقبني بسبب الجريدة، وحدست أنّه رجل ُ أمن،  دفعه ُ الفضول أن يستعير الجريدة، وحين بدء َ بتقليبها انسكب كوب الشاي على الجريدة وأتلف معظم صفحاتها، فما كان منه ُ إلّا أن يخرج من المقهى ويشتري الجريدة  من أقرب مكتبة ويُعيدها لي شاكراً بلغة ٍ غامزة. وهكذا، كان سروري طاغياً، إذا جعلت رجلَ الأمن ِيُطالع (طريق الشعب) على الرغم منهُ.ألم أقُل أن استعادة ولادة صحافة الحزب الشيوعي العراقي المجيد، ماهي إلّا استعادة الذاكرة الحيّة..؟

عرض مقالات: