اخر الاخبار

سجّل العراق حضورًا طيبًا في مهرجان زاكورة السينمائي في المغرب بقطفه الجائزة الكبرى.

 وقد بلغ عدد الأفلام الوثائقية العراقية التي اشتركت في المسابقة الرسمية 4 أفلام من مجموع 17 فيلمًا تنافست على ست جوائز. وهذه الأفلام هي “الگناوي ... ساجر النار” للمخرج الدنماركي من أصل عراقي محمد توفيق، و“لم تكن وحيدة” للمخرج حسين الأسدي، و“وصمة عار” للمخرج البريطاني من أصل عراقي جعفر مراد و“الرتل” لرائد سلمان، وثمة أفلام عراقية أخرى استبعدتها لجنة المشاهدة والفحص لعدم سويتها الفنية، وافتقارها للاشتراطات الإبداعية المتعارف عليها. وقد حصد “الگناوي... ساجر النار” على جائزة أفضل فيلم وهي الجائزة الكبرى في المهرجان لأنّه يثير أسئلة إشكالية كبرى من بينها التهجير القسري، والانعتاق من العبودية، والتماهي في المكان الجديد وغيرها من المحاور الإنسانية الأخرى التي تهزّ المتلقي، وتضطّره للتفاعل والاندماج مع حيثيات الثيمة وتشعباتها الكثيرة. كما تلعب زوايا التصوير المُبهرة، وسلاسة المُونتاج دورًا مهمًا في تدفّق القصة السينمائية ضمن بنية معمارية رصينة ومدروسة. وأكثر من ذلك فإن (محمد الگناوي) هو شخصية زاكورية (نسبة إلى مدينة زاكورة) لكنه انتقل منها للعمل في مدينة مراكش بينما ظلت أسرته هناك، وهذا يعني من بين ما يعنيه احتفاء المخرج بمدينة زاكورة وأناسها، وخاصة هذا العامل المثابر الذي يكسب قوته بكدّ اليمين، وعرق الجبين، ويمارس هوايته الموسيقية والغنائية كلّما توفرت له سانحة الحظ وحظي ببعض الوقت والخلوة. أمّا الفيلم الثاني الذي حظي بتنويه من لجنة التحكيم التي يرأسها كاتب هذه السطور وتشترك في عضويتها الفنانة والشاعرة المغربية فاطمة بصّور، والفنانة التشكيلية التونسية ربح السهيلي الذين أجمعوا على أنّ فيلم ثيمة “وصمة عار” للمخرج البريطاني من أصل عراقي جعفر مراد تستغور المشاعر العميقة لبعض الجنود العراقيين الذين هربوا من جبهات القتال، ورفضوا المشاركة في حروب النظام السابق، وتمّت معاقبتهم بقسوة شديدة لم يتخلصوا من تداعياتها حتى الآن. فيما يأخذ الفيلم الوثائقي الثالث الذي انضوى تحت عنوان “لم تكن وحيدة” للمخرج المبدع حسين الأسدي منحىً آخرَ أقرب إلى “السهل الممتنع” في رصد حياة امرأة خمسينية كرّست حياتها لإخوانها وأخواتها، وزوّجتهم لكنها ظلت عزباء متشبثة بالمكان الأول، ورفضت أن تفارقة على الرغم من المغريات الكثيرة التي قُدّمت لها، فقد اعتادت على ترويض العزلة والتماهي مع البيئة المائية المنسبطة على مدّ البصر. إن عدم فوز هذا الفيلم بجائزة أو تنويه لا يعني أنه فيلم ضعيف أو غير متوازن من الناحية الفنية، فهو، على العكس تمامًا، فيلم سلس، وغني بصريًا، ويلامس مشاعر المتلقي الداخلية. وقد كتبت عنه غير مرة للتنويه بأهمية الفنية، والإشادة برؤيه صانع الفيلم الإخراجية. أما الفيلم الرابع والأخير فهو “الرتل” للمخرج رائد سلمان الذي اختار موضوعًا حساسًا ويهم العراقيين على وجه التحديد لأنهم عانوا من همجية داعش ودفعوا ثمنًا غاليًا في مقاومته وإبعاد شره المستطير عن المحافظات العراقية برمتها وإن كانت المحافظات الوسطى والغربية هي الأكثر تضررًا لكن المخرج لم ينتبه جيدًا إلى التناقضات التي وردت على ألسنة المتكلمين حيث وقع بعضهم في المبالغة والتهويل وأفقد مصداقية الفيلم. كان على المخرج رائد سلمان أن ينبّه المتحدثين على ضرورة تطابق الأرقام، أو تقاربها في الأقلّ إن لم يتوفر على عنصر الدِقة كما يريده أي مخرج رصين. وكان عليه استدارك ذلك الأمر بإعادة تصوير بعض المًشاهد “التهويلية” بهدف تحقيق التطابق والتناغم الذي يلغي مثل هذه الأخطاء الجسيمة التي تقوّض مصداقية الفيلم خصوصًا إذا كان وثائقيًا أو يحاول أن يرتقي إلى مستوى الوثيقة. كان الفضاء العسكري يندرج إلى وقت قريب ضمن الموضوعات الأمنية المحظورة التي لا يمكن خرقها أو هتك أسراراها وجعلها في متناول وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي لا تتردد في عرضها لعامة الناس، فقد أدخلنا المخرج في غرفة عمليات طيران الجيش ومطاراته السريّة، وكيفية تسليح الطائرات المروحية باختلاف أنواعها، وتهيئة مقاتلات السيخوي، وإقلاعها من المدارج، ومعالجتها للأهداف الداعشية المعادية التي فتكت بالبلاد والعباد. وهذا سبق يحسب له، ولكن مبالغة بعض الشخصيات قد أفسدت متانة هذا الفيلم وضربته في الصميم.

عرض مقالات: