اخر الاخبار

مرت على بلادنا الذكرى المئوية لتأسيس الدولة الحديثة للعراق، وقد تضامنت الباحثة لاهاي عبد الحسين مع هذه الذكرى عبر كتابها المعنون (من الأدب الى العلم / دراسة في علم اجتماع القصة والرواية العراقية للفترة 1920 ـ 2021). بمعنى ان الباحثة تغطي فترة مائة سنة للعلاقة ما بين الأدب (القصة والرواية) والعلم (علم الاجتماع).

وهي بهذا تحاول ترصين وجود هذا المجال العلمي الأدبي، للتوصل الى التأثير المتبادل ما بين فن القص وعلم الاجتماع، على أساس ان كليهما يتجهان الى استثمار الظاهرة الاجتماعية عبر مظهرها السلوكي والثقافي والفني. وقد اتسعت الدراسة لسبعة أُدباء توالوا على ريادة السرد العراقي، ومنهجت الدراسة بحسب التسلسل التاريخي لحياة الكُتّاب ونتاجهم. وقد انتقتهم على وفق عدد من المعايير ـ بحسب ما جاء في المقدمة ـ منها “ الجانب الإنساني والقيمي والجمالي والاخلاقي “ لرواياتهم وقصصهم، فضلاً عن امتزاج ـ الروايات والقصص ـ بـ”تغيرات ساهمت في تعقيد شبكة العلاقات الاجتماعية”. 

اننا بمتابعتنا هذه نتعجل التوصل الى الرصد المنظور من قبل الدارسة كجهد علمي يحسب مبادرة مهمة على صعيد البحث (العلمي ـ الأدبي)، وتتحدد المبادرة بدولة وناس ومجتمع وتاريخ العراق الحديث، وكوني معنياً كثيراً بعرض موضوعات الكتاب فسأتوجه الى جهد الباحثة المنظور بعجالة.وأرى ذلك الجهد يتمحور حول :

أ ـ توضيح جدية ملاحقة الأدب العراقي على وفق نظرة علمية لا تضحي بجمال الأدب ولا برصانة العلم.

ب ـ التأكيد على ان اختيار عينة مناسبة يجعل الدراسة منضبطة ونافعة ومستقبلية.

ج ـ التوجه الى الأعمال المرصودة عبر النظرة (الظاهراتية) الاجتماعية المسبقة ـ  حصراً ـ لأجل توضيح فعلها التأثيري التقني، كنوع من التبادل المعرفي المحدد بفضائي القصة والرواية .

د ـ ان التشييد المتقابل بين (السطحي والعمقي) للعلاقة بين علم السرد وعلم الاجتماع هو آلية مركزية لأي اتجاه يوطن القيم الفنية والسلوكية كأصدق تاريخ للسلوك الإنساني، ربما حتى أصدق من التاريخ الزمني الصرف للحدث الاجتماعي .

هـ ـ ان التعريف بأعمال وأفعال كُتّاب رسموا خارطة الابداع العراقي، ووضعوا هوية حقيقية للتسامح والمحبة والسلام بين أثنيات وعقائد وقوميات وطوائف العراق، هو عمل جبار يوجه الى ان الفن والثقافة والعلم يوحدون تقدم ونهضة الشعب والحصول على العدالة وضمان امن واستقلال وتماسك المجتمع .

* من جانب دقيق آخر لجهد الكاتبة، انها تبرمج الدراسات بمنظارين ذكيين في المقاربة بين أٌدباء القص السبعة.في المنظار الأول وزعت أولئك على موضوعات قصصهم ورواياتهم وربطت بين الروايات والقصص وحياة الكاتب وتطور حياة المجتمع.

وفي المنظار الثاني تابعت النتاج الأدبي لكل منهم على أساس المرحلة الاجتماعية التي تضمنها أدبة وليس سنة الاصدار لكتبه، يبين ذلك كأوضح ما يكون في تناولها لأدب غائب طعمة فرمان وانعام كيجه جي.

* وفي توثيق الدارسة لأعمال (محمود أحمد السيد، عبد الحق فاضل، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، انعام كيجه جي، فلاح رحيم، جاسم المطير)، كانت تشير ـ أحياناً ـ الى خروج الكُتّاب عن محددات الايديولوجيات، احتراماً للفعل الادبي بكونه ذا رسالة أشمل، وكأنها تريد القول ان للأدب فضاء وحرية تتجاوز الايديولوجيا.

ان أهم ما قامت بنحته وتطويره في مجالها الدراسي هذا هو انها تجرأت لتخصص بشكل عمومي ـ كل كاتب بظاهرة اجتماعية أثيرة، فمحمود احمد السيد اهتم بقضية (الجهل) وكيفية تجاوزه نحو التقدم، وعبد الحق فاضل اهتم بـ (النفاق والفساد) في السلوك الوظيفي.بينما غائب طعمة فرمان قد شغلته قضية (الهوامش الاجتماعية).

وفؤاد التكرلي خص جٌلّ جهده (لنصرة النساء المغلوب على أمرهن).وعلى ذات المبدأ اهتمت (كيجه جي) بالمرأة ومظلويتها السياسية والأثنية.وانشغل الروائي فلاح رحيم بقضية النضال السري لمقاومة الاستبداد الدكتاتوري.فيما اخذ الروائي جاسم المطير جانب المنظومة الداعشية بتشكلها الاجتماعي والعقائدي والاقتصادي. 

لقد اقنعتنا دارسة لاهاي عبد الحسين بالأهمية البالغة لتأخي علم السرد مع علم الاجتماع تحت منظومة وحقل (علم اجتماع الأدب)!.