اخر الاخبار

يمكننا القول بأن في كل بلد عربي هنالك اتجاهين في الاخراج المسرحي  الاول:

نقل لربرتوار المسرح الغربي وعرض مسرحيات اوربية ذات طابع انساني شمولي، تبدو بعيدة عن مشكلات المسرح العربي الذي مازال بعيدا عن الاغتراب في المجتمع الاوربي.

والاتجاه الثاني: استخدام الاشكال التراثية والفلوكلورية العربية والشرقية واشكال ماقبل المسرح في محاولة لتأصيل المسرح.

لكن التعرف الحقيقي على برشت والمسرح الملحمي من قبل الفنان العربي كانت في فترة الستينات من القرن الماضي، وجرت اولى التجارب لتقديم المسرح البرختي في مصر من خلال نص دائرة الطباشير القوقازية الذي اعده صلاح جاهين. وكان سعد اردش من الاسماء الاولى في اخراج بعض مسرحيات برشت...

وبتاثير المسرح السياسي والمسرح الملحمي البرشتي استخدم المخرج العربي الكثير من الوسائل التي تخلق العلاقة بين المتفرج والعرض المسرحي: كالمسرح داخل المسرح. او توزيع الممثلون في الصالة وجعلهم جزءا من سينوغرافيا العرض المسرحي حيث يجلس الجمهور حول خشبة المسرح ويصبح العرض دائريا، كما في مسرحية” المهرج “ للسيد الشوربجي والفرافير ليوسف ادريس. وبعد ان يموت الملك لصلاح عبد الصبور. ومسرحية الليلة نضحك لميخائيل رومان. وامتد هذا التاثير كذلك على تجارب المخرج العربي مثل الطيب الصديقي ونجيب سرور وكرم مطاوع وابراهيم جلال، سامي عبد الحميد ود.صلاح القصب و د.فاضل خليل، اسماعيل خليل،فاضل سوداني وسهام ناصر ويعقوب شدراوي وريمون جباره ونضال الاشقر وقاسم محمد وعز الدين قنون وفاضل الجعايبي ومحمد ادريس وصقر الرشود وفؤاد الشطي..

ولم يقتصر التاثير على المسرح المشرقي وانما كان له تاثيره في المغرب العربي ايضا

فمن المتاثرين ببرشت في المسرح الجزائري الروائي والمؤلف المسرحي كاتب ياسين الذي عاش في فرنسا ابان الاحتلال الفرنسي لبلاده وساهم هناك في الدفاع عن قضية شعبة أمام القارئ الفرنسي من خلال رواياته الشهيرة مثل رواية” نجمة “التي حاز عليها عدة جوائز وكذلك مسرحياته كمسرحية :الاجداد يزدادون شراسة. ومسرحية مسحوق الذكاء. والجثة المطوقة، التي تناقش عنها مع برشت عند زيارة البرلين انسامبل الى باريس عام 1955. وبعد التحرير أصبحت نظرته كوسموبولوتية (عالمية) وبدأ في الكتابة التي تخدم نضال الانسان عموما كما في مسرحية “ الرجل ذو الحذاء المطاطي “ التي كتبها عن نضال الشعب الفيتنامي انذاك. وقد انتقل للعيش في بلاده نهائيا وترك الكتابة بالفرنسية واستقر بين الجماهير الفقير ة في الريف وبدأ بالكتابة عن همومها (حتى وفاته). ومشاكلها وخاصة قدرية التخلف المتأتي من التزمت الديني السلفي وأثره في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. وقد استفاد كاتب ياسين من المسرح البرشتي، لانه يعتبر برشت فنانا ديالكتيكيا واعطى أهمية كبيرة لاستخدامه في المسرح الجزائري والمسرح العربي لكن بشئ من الحذر. ان هدف التغريب لايعني فقط الحيلولة دون حدوث الاندماج بين الشخصية والجمهور، التغريب هو جزء عضوي من نظرة ديالكتيكية للعالم، وهذه النظرة هي التي تتحكم في عملية الخلق الفني برمتها. انه في الواقع موقف من الحياة.

وبالرغم من اهمية عنصر التغريب في المفاهيم البرشتية وتكيفها لتنسجم مع الكثير من الثقافات والمسارح لمختلف البلدان، إلا ان اطروحة كاتب ياسين وحذره من استخدام التغريب في المسرح الجزائري لها اهميتها في الوقت الحاضر وتمتلك مكانتها في المناقشات عند ما تحتم الضرورة اعادة صياغة المفاهيم المسرحية الجديدة للمسرح العربي.

ويعتبر المؤلف والمخرج المسرحي عبدالقادر علولة (اغتيل في الجزائر دفاعا عن حرية الفن والديمقراطيةوضد الظلامية) واحد من اهم المخرجين العرب والجزائريين الذين عملوا على تكييف افكار برخت وانجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري من خلال ربطها مع المخزون الهائل من التراث والثقافة العربية. معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد. ولهذا فانه يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الاشكال الماقبل المسرحية او المسرحية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي التي تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس اوربيا. وقام علولة باحلال وظيفة الكوال بدل الراوي البرختية وهي شخصية يمكن ان نجدها في التراث الشعبي العربي وتراث المغرب العربي بالتحديد. ومهمة هذه الشخصية هي رواية وتمثيل الاحداث والقصص التاريخية التي لها مكانتها في الذاكرة الشعبية وكذلك الاحداث المعاصرة في الاسواق والساحات العامة وا ماكن تجمع الناس الذين يشكلون جمهوره عادة. و يمكن حتى يومنا هذا مصادفة الكوال في اسواق المغرب العربي الشعبية وهو يقص على الجمهور حكاياتة التاريخية او المعاصرة مازجا اياها ببعض المشاكل السياسية التي تثير جماهير السوق.. وبهذا فان الممثل في مسرحيات هذا المخرج اصبح كوالا ووظيفته “كراوية” اصبحت اكثر تأثيرا، عندما امتزجت بتقنية التجربة العالمية، بحيث اصبح الكوال يلعب الدور الاساسي في الحدث.واصبح العرض المسرحي سرديا وبهذا فانه اقترب من المسرح الملحمي البرختي. فيقوم الراوي (الكوال) بكسر مجرى الاحداث ليس في النص فحسب (ان المخرج علولة هو الذي يكتب ويعد مسرحياته عادة) وانما في الاداء والعرض.

 ولهذا فان الممثلين هم رواة اوكوالون، اضافة الى كونهم يؤدون اكثر من دور. (ويعتبر هذا تحولا جديدا في المسرح الجزائري والعربي عموما) ومن اجل التأكيد على كسر الايهام في الحدث والاداء، فان علولة يمزج في عروضه بين ماهو واقعي وماهو رمزي، بحيث يتم التاكيد للجمهور بانهم في مسرح وان هنالك ممثلون على الخشبة يروون حكايةما.فالمسرح لايكتفي بالسرد من قبل الراوية وانما يجب ان يخضع كل شئ لمتطلبات اللغة المسرحية بحيث يخدم المشكلة الاجتماعية. وبغية الوصول الى تغريب الحدث والشخصية فان المخرج الجزائري يعمد الى خلق تلك المسافة بين الممثل والشخصية باستخدام صيغة الشخص الثالث كما هو الحال لدى برخت. أي ان الممثل يمثل الشخصية ويستعرضها بشكل مبدع وليس بشكل ميكانيكي. وبهذا فان الجمهور يمتلك تصوره عن الشخصية. واستمر التأثير الكبير للمسرح البرشتي على الفنان العربي وجمهوره ايضا نتيجة لطموحات هذا المسرح الفكرية والسياسية في العمل على تغير وعي الإنسان وعلاقاته بالمجتمع، وقد تأثر الكثير من المؤلفين المسرحيين بأفكار برشت بهدف كتابة مسرحية للكشف عن طبيعة المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتهم مثل سعد الله ونوس،نجيب سرور، يوسف إدريس يوسف العاني قاسم محمد الطيب الصديقي ومحمود دياب جلال خوري و الفريد فرج، عزالدين المدني و عبد الكريم بورشيد، عبد العزيز السريع، نو الدين فارس وعادل كاظم  فاضل خليل  وغيرهم. مما ادى هذا الى تشكيل ملامح عرض مسرحي عربي بتأثير التغريب البرختي في ربرتوار المخرج العربي. ومازالت الكثير من العروض العربية تنهل من المفاهيم البرشتية سواء كان ذلك في الاسلوب الملحمي للكتابة اوالفكر الاخراجي لصورة العرض المسرحي.

عرض مقالات: