اخر الاخبار

مرت على مشهدنا الشعري العراقي بيانات شعرية كثيرة حاولت أن تفصح عن رؤاها الجمالية والمضمونية والصوتية وفقا لمتغيرات الواقع العراقي وتدخلات الايديولوجيات وسطوتها على نصوص الكثير من الشعراء.

في كتابه الجديد (حلويات) سعي لتأسيس بيان شعري خفيّ وجديد، والاعلان عنه عبر نصوصه مستثمرا الاليات الفنية والصوتية الحداثوية ليشكل لها مغايرا في رؤيته للواقع ، وليفصح فيها عن بيانه الشعري المنتمي الى الحياة بكل مفاصلها وصراعاتها ورؤاها وتلفت نظر المتابع جملة كتبها الشاعر بوعي لتكون خطوته الاولى في التأسيس، [نحن نبصر- حتى دون نظارتين-  ما خلف الحائط ]، فما خلف الحائط هو المحور الرئيس في نصوص المجموعة ووفقا لهذه الجملة المركزية  في مقدمة الكتاب يقرّ الشاعر أنه ما كتب هذه الجملة إلا بعد أن قارن بين نوعين من مرتدي النظارات ، نوع يتخذ منها اكمالا لهندامه ومكياجه الشخصي، ونوع ينظر بها ما خلف الحائط، وهو الواقع الثاني الذي يشتغل عليه  الشاعر الرائي، ولهذا فهو يقول مصرحا[ اترك هذه النصوص مفككة بينكم) هي ليست مفككة في حقيقتها – ويشبهها بمحرك أجاد ميكانيكي حاذق في فتحه وضبطه ، والدقة في التعامل مع براغيه وصوامله، فالنصوص في الكتاب مفتوحة للجميع في انتظار اجراء عملية القلب المفتوح من خلال قراءتها ورؤاها بما ستكون سيرورة محتدمة لنصوص عبر واقع غير متخيل  الا بالواقع ، وصانع ماهر واع للعملية الشعرية وجوهرها .

 وتأخذنا المقدمة في اعترافات استثنائية حين المقارنة بين الصورة الفوتوغرافية الماكثة بالجمود وما ينتج هذه الايام مما اصطلح عليه (سيلفي) حين تتحول الصورة الى(صورة)  ومصور ، والابداع كما نعلم لا يضع حاجزا ملموسا بين الصورة والآخر ، وينبني على أحساس في رؤى تأويلية واستجابة جمالية وذوقية وفقا لخلفية كل قارئ للنص، فقديما قيل “ أن النص حمال وجوه” ونفاجأ في آخر جملة من المقدمة بتصريحه أن[ فلكم هذا ال (سيلفي الذي لن يليق إلا بأن يكون سيلفي مع الله].

ما الذي أراد الشاعر أن يوصل بنا في ختام مقدمته/ البيان فهو حين يهدي هذا السيلفي كإشارة مع الله لابد أن تتشكل الرؤى في هذا القول وفقا لمفهوم الالوهية التداولية في المجتمعات ونقول:

1-ان هذه النصوص تعقد نسجا شعريا فطريا وجماليا وشموليا ، لا تتدخل فيها عوارض الزمان والمكان مع انه  صرح قبلها أن هذه النصوص تنتظر عملية القلب المفتوح ، فهي اذن تتكون من رؤية تتمازج بين قدرة كلية الاشتغال ، وقدرات ذاتية تتفرع وفقا لخلفية الصانع الامهر الحقيقي واقعيا بعيدا عن مفهوم الله التداولي بما يتصف به من صفات شمولية وايجابية في خلق العالم وتخطيط مساراته  وختاماته، وبذا فالشاعر هنا يتخذ صورة النبوة الارضية التي تحقق الرؤى الجمالية الكبيرة والمساهمة في وضع حلول لها,

2- لا علاقة -كما أرى – في الرؤية الميثولوجية للواقع المتعالي بما انتجه الشاعر هنا، بل ثمة تأكيدات أن هذه النصوص تتصف بصدقها وعفويتها وانتمائها للناس الخيرين والايمان بالعدل والمساواة والتحرر والبذل والتآزر لصناعة واقع آخر بعيدا عن الواقع الأول المخرب بثقل الارضيين الترابيين.

ولهذا نجد النصوص استثمرت اليات جمالية الهوامش في واقعنا لتشكيل نصوص تخفق بالحياة  وتعطي بعدا حيويا وجماليا مضافا لواقعنا.

3-وبالرجوع الى إهداء الكتاب بقول الشاعر [الى طفل لم يمتلك ثمنها]، ويقصد الحلوى  في عنوان الكتاب، والحلوى الرمز المتشكلة في الكتاب ومواقف الشاعر منها، فهذه (الحلويات) ذات البعدين  سجلت لحياة واقعية حقيقة ماكثة في حقبة اشكالية قاسية، وعن طريق قيمة الهوامش فيها وجعلها مركزا جديدا قارا بتحرك آليات هذا الواقع ، فما زال الشاعر طفلا يسعى لامتلاك أسرار الحياة، ونبش الواقع لفهم حقيقة ما جرى من خلال صدقه وانتماءه للواقع والحياة.

“عمر السراي” شاعر مميز وشجاع في خلخلة واقعنا الشعري بقوة الجمال  والصدق، وحراسة الوعي الذي تتشكل به طلائع الحياة في سيرورتها الجديدة ، بعيدا عن قدسية الثابت وجمودية الأفكار وقدسية الشخوص وأبطالها الخلبيين وهلامية آفاقهم المظلمة.

عرض مقالات: