اخر الاخبار

حين  تهاوى برج الاتصالات في حرب الثلاثين دولة وتكور حول  نفسه، تحول الى جثة محروقة،  تثير الأسى وتبث الرعب  في النفوس، جسد دميم  بانت عروقه الكثيرة أصبح مثل شجرة يابسة عملاقة  تشظت  عروقها  على أسطح المنازل والشوارع وتسللت لتسد الأزقة الضيقة، حتى غدا البرج هوساً أصاب الناس في تلك الأيام المشحونة بالخوف  والجوع،  ليخلق سقوطه جدل عنيف وصراع مستمر للبحث عن السر الذي يكمن وراء ذلك السقوط المرعب ؟ ومثار سخرية وتندر تسائل الكثيرون واصفين ذلك السقوط ومتسائلين عن ذلك السر الخطير الذي رافق سقوطه 

 كيف يعقل ان ينكمش البرج حول نفسه مثل لحمة مشوية من دون أن تتهاوى معه البيوت الخاوية؟

 فهو يقع في قلب المدينة النابض بالحياة، يرصد المدينة بعيونه المصنوعة من صحون دائرية تبث الرعب والخوف، عيون وحواس النظام التي لا تنام،  فأخذ محللو مقهى العرب ومقهى الحاج عبد ومحللو مقهى التآبيه   يتهامسون فيما بينهم  وسط ظلمة وحصار أطبق فكيه  بكل قسوته عليهم  وتركوهم فريسة الأوهام, والهذيان تفتك بهم ، أنهم يتغذون على الإشاعات والجدل كي يبعدوا عنهم السأم حيث  أشيع في وقتها ان الطيار ظل يحوم حول البرج مثل صقر ولم يطلق أي قذيفة علية, يومها حل الذعر والخوف في أحياء المدينة المحيطة بالبرج والمحلات القريبة منه، هرب سكان محلة الجباوين وتركوا بيوتهم الخاوية ثم تبعهم بعد ذلك الناس القاطنين في شارع أبو القاسم والآخرون الذين يسكنون في محلة سوق الدجاج، 

 فقد فسروا ان حوم الطيار هي رسائل إنذار لإخلاء  البيوت، وتلك إشارة اعتبرها البعض دليل إنسانيه الطيار الذي لم يطلق قذائفه على البرج.

يومها وقف طبانه في عكد الكرعين وراح يحث اهل عكد الكرعين على المغادرة  وقال

- يجب ان تحملوا معكم الأشياء التي تسطعون حملها  لان الطيار الذي ظل يحوم حول البرج من دون ان يضربه  انما هي علامة انذار. 

وقد شاهد ابو زمن الأحدب وهو يحمل بطانية عتيقة وبعض ادوات الطبخ وقال  

- مو زين الطيار ما ضرب البرج هذه حكمة عمي انتم محظوظين هذا تره  إنذار.. ثم مضى.

 وفي منتصف الليل من اليوم الثاني تهاوي البرج العملاق، وتكور حول نفسه مثل جثة عملاقة، الشيء المدهش  الذي  أصاب الناس لم يكن  خسارة البرج كمعلم حضاري ولم يكن الجدل حول لماذا تضرب البنى  التحتية للمدينة إنما انصب الحديث على جمالية السقوط الذي لم تسفر منه سوى أضرار طفيفة.

راح الناس يشعون ويعجبون من عبقرية الطيار الذي جعل البرج ينكمش عند سقوطه ويتكوم حول نفسه مثل لحمة مشوية حسب مقولة معلم العلوم  الأحدب المكنى ابو زمن الذي وصف لنا حالة البرج وهو يتهاوى من علياء كبريائه دون أن يحدث أضراراً.. قال :

- كنت اعتقد ان الأضرار سوف تكون  كارثية في المدينة ولكن الحمد لله لم تكن الأضرار سوى بضع محلات ملاصقة له مما اسفر عنه تحطم زجاج الشبابيك القريبة ويقال امرأة عجوز اصابتها السكتة واربعة أطفال ورجل، رقم يكاد يكون صفرا في لغة الحروب والانفجارات بينما انفجار قاعة التربية احدث أضراراً لا تصدق أنها عبثية الحروب، هكذا روى لنا ابو زمن تلك الفجيعة التي ألمت بالمدينة كان دقيقا في جمع المعلومات  فقد صفق بيده  وقال لقد خسرت المدينة مسرحها الوحيد انها قاعة مسرح التريبة  ذاكرة المدينة الثقافية  فقد تحول المسرح والبنايات والبيوت التي تحيط به الى كومة من انقاض يسكنها الموت والذي فند من خلال ذلك  السقوط  تنبوءات مصلح الصوبات نائب عريف غرباوي  والذي قال:

- ان سقوط البرج سوف يدمر مدينة المهدية ومحلة الجباويين وسوف يحدث تدميرا هائلا في عكد اليهود منطلقا من معلوماته العسكرية وفهمه باستراتيجية الحروب الطويلة  والذي قضاها حتى تسريحه من الجيش بعد ان بترت ساقه في حرب الثماني سنوات، ليجد نفسه محشورا في دكان صغير لتصليح الصوبات النفطية مع صديقه المعلم المتقاعد ابو زمن الاحدب من جلاس دكان العريف غرباوي  وواحد من اهم محللي سوق الحطابات وهو من القلائل في السوق الذي يمزج في تحليلاته بلغة العلم معبراً عن إعجابه بالنظرية النسبية وبعدها الرابع،  وراح محللو مقهى العرب  يعزون هذه المعجزة الى قوة دعاء اهل محلة شارع ابو القاسم ولان وجود امام  ورع فان شفاعته الامام قد زرعت في قلب الطيار الرحمة وقد حلف أحدهم أنه في المنام قد رأى  العلامة ابن النما وهو يحمل(راية خضراء)  وفي اليد الاخرى يحمل كتاب (مثير الاحزان) الذي يتحدث فيه عن  واقعة الحسين تجمهر الناس حوله يترجونه بشفاعة جده الحسين أن ينقذ أهل المحلات من أن يتهاوى البرج ليدمر كل شيء حيث وقف العلامة ابن النما وخاطب الناس بآية  قرانية  ودعاء بينما الدموع تسيل على لحيته المباركة وقال (يا نار كوني بردا وسلاما) وقبل أن يكمل كلامة قفز النائم من نومه ليسمع دوياً هائلاً إهتزت له جدران البيت والبيوت المجاورة بعدها سمع صفارة إنذار حينها هرع هو من نومه ليرى سقوط البرج الذي تكور حول نفسه مثل أفعى ليحمد الله على سقوط البرج الذي شكل فزعاً مريباً الى أهل المحلات وهنا كما قال: تكمن معجزة القديسين والاولياء الصالحين وتظهر شفاعتهم في وقت المصائب.

في الصباح الباكر هرعت الناس رجالاً ونساءً شيوخ وشباب امهات واخوات الى ضريح العلامة ابن النما تتبارك فيه وتصلي وتدعو الله أن يرحم سكان المحلات التي  تسكن حول الأضرحة

 في حين اقسمت العلوية نوفة انها ذهبت تكنس ضريح الشيخ ورام  الذي يقع قرب بيتها في عكد الباشا  وتقول كنت مهمومة ومتكدرة وانا انظر الى مصائرنا حيث طائرات العدو تحوم حولنا ونحن لا حول لنا ولا قوة ، هناك تحاصرهم الجيوش وقد دب في داخلي الخوف حيث اشيع ان سقوط البرج سوف يحدث كارثة لان اكثر البيوت هي بيوت منخوره وقديمة وأي سقوط سوف يحدث مصيبة لذا فقد رحت ادعو حتى تعبت من الدعاء واستسلمت لنوم عميق حينها رأيت غمامه سوداء تحجب عنا الرؤيا انها تتقدم نحونا بينما الناس تقف قرب ضريح الشيخ  تطلب منه الشفاعة فاذا بيد بيضاء كبيرة تخرج من السماء يد تزيح تلك الغيمة السوداء تخرج منها برق يعمي الإبصار حتى استيقظت على دوى هائل فتحت عيني وقد وجدت نفسي قد نمت في الضريح حيث استيقظت فزعة وسمعت صفارة الإنذار وبعدها خرج سكان المحلات ليشاهدوا ان البرج الذي دهشهم طوله وهو يتكور حول نفسه دون ان يحدث أي ضر في المحلات والأبنية  حينها تحدثت العجوز عن تلك الرؤيا وعن شفاعة  الشيخ ورام لأهل المحلة من كارثة البرج بينما علل البعض سبب عدم سقوط الابنية المحيطة قرب  البرج كان من فعل الصدفة وحدها هي التي أنقذت الناس من تهاوي البرج العملاق على أي جهة في حين راح البعض يحلل تلك الظاهرة على انها قوة المعرفة وان قوات  التحالف قد جلبت معها قذائف ذكية حيث تعمل تلك القذائف على تدمير البرج بطريقة علمية دون ان تجعله يسبب أضرار بما يحيط به وقد عزاها البعض الى قوة العلم وتطوره في التعامل  والانتقال رؤية جديدة في حرب المدن والتي هي حرب ذكية تعمل  على ضرب الأهداف ذات البعد الاستراتيجي وظل هذا الجدل سنوات طويلة  بين تلك الفئات من الناس الذين يرى كل واحد منهم غايته في تعليل أسباب سقوط البرج حول نفسة دون ان يلحق ضرراً في البيوت والمحلات والأسواق المحيط به حيث عدة البعض من عجائب الدنيا السبع  وان البعض أراد ان يدخله في موسوعة دنس في العبقرية العسكرية لقوات  التحالف الذي اسقط برج الاتصالات لغرض تدميره وعندما بدا الجوع ينخر في البطون في ذلك  الزمن التسعيني المقيت واعيد تشيد البرج من جديد  تجمهر الناس مرة اخرى على حادثة جديدة انستهم ذلك الجدال العقيم الذي اصبح جزء من تاريخ مدمر حيث اشيع ان صقر يعود الى امير خليجي  قد هرب من صاحبة وحط فوق اعلى البرج بينما الجوع يعوي في البطون وقد أصاب الناس في المدينة هستيرية جديدة وهوس شديد امتزجت به الأحلام والرغبات والحرمان من اجل الفوز والحصول على هذا الصقر الذي اشيع ان صاحبه وضع جائزة لمن يمسك به انه مبلغ كبير خمسة ملاين دينار عطلت الدكاكين واغلقت أبوابها وخرج اصحابها ينظرون الى الاعلى ويفكرون بطريقة ما كيف يحصلون على هذه الجائزة اختفت الجنابر من الساحة وذهب اصحابها ينظرون الى قمة البرج، الاطفال والنساء ومربو الطيور تجمعوا هناك ليبحثوا عن خطة لاستدراج  الصقر الهارب من صاحبة، العيون تنظر في الافق  البعيد تريد ان ترى الصقر المختبئ في قمة البرج الشاهقة جاء مربو الطيور والذين يفهمون في الصيد حطوا في الساحة التي يتربع عليها البرج  اجتمع اهالي المدينة  وراحوا يناقشون  بالبحث عن خطة محكمة لاستدراج الصقر الأميري وإجباره  على النزول،   كان  يحلم بالجائزة جلب  طيوره كي يستدرج الصقر، الكن الصقر المدرب راح  يفتك بها ،  فقد سقطت بعض طيوره فريسة ذلك الصقر العنيد الذي ظل في عليائه متربعا،  أعلنت  حالة طوارئ في المدينة   عملت الشرطة والبلدية على طرد المتجمهرين ومعاقبة كل واحد يمر من البرج او ينظر الى الأعلى    واستدعيت خبراء في الصيد لمعرفة الأسباب ودراستها  ومعرفة هذا الكائن العجيب الذي احتل البرج  وعملت على تكذيب تلك الإشاعات  التي تحدثت عن الجائزة التي وضعها الأمير الخليجي ومطاردة مروجها   واعتقال كل من تشك به  باحتنا عن خيط يوصلها الى الجهة التي اطلقت تلك الإشاعة   دخل الجهاز الحزبي إنذار  راح يداهم البيوت المشكوك بها  واعتبرها  مؤامرة للإطاحة في امن الدولة  ومحاولة معرفة  صواريخ  الغراب الأبيض التي حصل عليها العراق بغزوه الكويت حيث تقول الإشاعة  أنها تحمل رؤوس نووية   تعود  إلى الأمريكان  ضمن استراتيجية الحرب الباردة وربما هو ليس صقر أنما هو طائرة تجسس تشبه الصقر  تتحرى عن نلك الصواريخ   الذي بدا النظام يناور بها من اجل الضغط  وتفتيت وفك الحصار عنه   لكن  جلساء عكد الحطابات راحوا  يحللون قضية البرج ومكوث ذلك الصقر في اعلى البرج  وعناده من المغادر  بانها من صناعة النظام وبثها تلك الاشاعة  كي تزرع في داخل اهل المدينة امل كاذب يبعدهم عن الاحساس بالجوع  ويوجه انظارهم الى تلك الامنية المستحيلة هذا ما قاله عريف غرباوي الذي قال انها مؤامرة بينما ابو زمن الاحدب اعلن بصراحة انها كذبة فلا وجود الى شيء اسمه صقر بل هو وهم هيمن على الناس وقد خلق هذا الإحساس انه وهم يخلقه الجوع والحصار  جعل الناس  تجمع  في الساحة  كانت عيونهم شاخصة الى الاعلى في داخلهم امنية واحدة هي الظفر في هذا الصيد الذي يزرع في داخلهم الامل في حياة تحبل لتنجز لهم معجزة.

عرض مقالات: