اخر الاخبار

بين ملحمة الحرية لجواد سليم وملحمة ثورة تشرين  2019 ينجز الفنان التشكيلي محمد فرادي مجموعة من اللوحات الفنية مستلهما احداث الانتفاضة بمقاربة فنية وبرؤية تشكيلية تجمع ما بين ازمنة وامكنة واحداث مأساوية مرت بالشعب العراقي ومازالت تعصف به , انها شهادة تعلن انتمائها الى جانب شعب يطالب بالعيش بحرية وكرامة

لم يكن معرضا افتراضيا للوحات فنية تنشد الجمال، أو تتيح لنا متعة النظر، وَتَرَف الفُرجة، فنتصفح معانيها وننبهر بألوانها، وربما نحاول أن نصنفها إلى المدارس الفنية المتنوعة، سواء كانت حديثة أو تقليدية.

إنه نشيد الوجع المرّ الذي يعيشه عراقيو الداخل والخارج ولاسيما فتيةُ الوطن وجيله الجديد، وهم يترنحون في دروب مظلمة حالمين بوطن يستظلون به كأقرانهم في مختلف أنحاء العالم، رافعين شعارهم الوديع كوداعتهم والجميل كوسامتهم.

(نريد وطن، نريد وطن، نريد وطناً)

معرضُ محمد فرادي رواية متكاملة، فصولها الألوان والبقع والخطوط والتكوينات، تحكي لنا قصة هذا الوطن الذي عانى من الحروب والفقر والفاقة والحصار. وما أن يصل هذا الوطن إلى استراحة قصيرة، حتى تبدأ متاعبُ ومصائب وأهوال أخرى، تتساقط عليه كالحجارة.

لقد كان المتنُ الفني لهذا المعرض متكاملا، ومتشعبا بالتفاصيل، لوطن يُبحر في اليَمِّ كسفينة معطوبة، ما أن تصل إلى برٍ آمن، حتى تبدو في الأفق عواصفُ أخرى أشدَّ وأقسى. 

ريشة الفنان محمد فرادي تتدفق بالألوان القرمزية، وكأنه يلتقط الدماء النازفة في ساحة التحرير، ويعجنها بألوان أخرى، ويسفحها على صفحات لوحاته، حتى جاءت وكأنها تنقلنا إلى تلك المعركة غير المتكافئة، بين أطفال لا يملكون سوى طراوة صدورهم وبين البنادق التي تترصد لهم، بين أصواتهم التي تنشد الحرية وبين القوى التي تقذفهم بوابل من الرصاص الحي والقذائف الدخانية المشبّعة بالموت.

لوحة فرادي غنية بالمعاني، ذات مضامين ملتزمة بقضية العراق. لذلك فقد جعل من بعض أعماله امتدادا لنصب الحرية في باب الشرقي، حيث نُصب جواد سليم. فقد اختار جموح الحصان الذي يشرئب برأسه نحو الأعلى ليتحدى كل عوامل الإحباط، ليعلن انتصاره رغم الانكسار الحاد على ملامحه، ويبرز شباب الوطن في بؤرة اللوحة، فتنتصر على القضبان والتي تتمثل في هيمنة رموز التسلط والتخلف والاستبداد، بينما طفل جواد سليم يبدو على هيئة حسوني الذي أطلق عليه لقب الوسخ من قبل القوى المسلحة بالمال والسلاح. هذا الحسوني الذي لا يملك من أرض الوطن سوى إنسانيته وفقره وأحلامه في بيت ومدرسة ودواء، وحسوني الوسخ لا يملك سوى ذراعين، يرفعهما إلى أعلى.

 هل كان مستسلما أم داعيا أم رافضا؟

 كل هذا يبرز في وقفته الخاوية من الكفّين، متماهيا مع طفل جواد سليم الذي ينزل من النُصْبِ كي يتّحِدَ في جسد حسوني ويرفع يديه تضامنا مع طفولته وتشرده واتهامه بالقذارة.  تناول فرادي شخصية الطفل في مواقف مختلفة، حتى جعله رمزا لكل أطفال العراق الذين أصبحوا فريسة للفقر والجهل والحرمان.

يقول الفنان عن هذه الرمزية:

«لقد استوقفتني هذه الشخصية بمعناها وبأهميتها الإنسانية، كشاب نزل إلى ساحة التحرير وتحت نصب الحرية يطالب بحقه في العيش بكرامة».

 ولكي يمنح لوحاته الأخرى أقصى مداها في التعبير، لجأ إلى الفحم والمداد وأقلام الگرافيك المختلفة، فأتت خطوطه شرسةً وكأنها الزوبعة التي ترسم خارطة الألم، من خلال المرأة ذات الملامح العراقية الحادة، والتي تحمل طفليها، معلنة أنها تعيلهما بدون ضمانات من الدولة، وأن الطفلين العاريين يكشفان وضع الطفولة المستباحة في الوطن. كما جسّد مشكلة استلاب المرأة والنسوة المتشحات بالسواد، فاغرات أفواههن صراخا أو احتجاجا أو تَضرّعا.

في لوحة أخرى تبدو أجساد شباب الانتفاضة تتكدس لتكوّن كتلة واحدة، تتمترس في سلميتها ودمها النازف، وكلما سقط منها شهيد، سيلتقطونه من الأرض ويستمرون في سيرهم، على الرغم من الأسلحة المصوّبة إلى صدورهم. إنّهم يواجهون كلّ هذه الأخطار من أجل البحث عن الوطن المفقود.

عرض مقالات: