اخر الاخبار

من المعروف ان اي ثورة في العالم تسبقها حركات وعي من نوع (ما)، قد يكون وعياً ثقافياً، كما هو حال الثورة الفرنسية الشهيرة، وقد يكون وعياً اجتماعياً، مثلما هو حال ثورة الطلبة في فرنسا والولايات المتحدة. كل ذلك الوعي لم يخلق ثورة شعبية تماماً، انما يُستكمل الوعي وتصير له نواة، تتطور الى تيار كبير يسهم في تغيير بنية السلطة او تركيبة النظام السياسي، بينما ثورة تشرين ـ كما نعتقد ـ أول ثورة في التاريخ الإنساني، وبتاريخ العراق تحديداً، التي انبثقت كثورة شعبية تماماً، اندمج فيها الوعي الثقافي والشعبي، بأهداف بدأت بمطالب خدمية، ونضجت في أيام قليلة لتصير مطالبة بتغيير النظام السياسي والبرلماني. تطور الوعي ليحدد مسؤولية الحكام، ومسؤولية السلطات القامعة ومسؤولية القوى الناهبة للثروة، بحيث عرتهم الثورة، وحتى عينتهم بالأسماء. وبوعي تام يمكن القول ان الثورة الوحيدة في التاريخ البشري كانت قد بدأت سلمية وظلت سلمية على مدى ثلاث سنوات من عمرها. وفي مضمون الوعي يمكن ان نحدد ملامحها الأساسية على النحو الآتي :

ـ الطور الاول، مقدمة الوعي : تشكل الوعي الأولي من مراقبة الشعب والقوى السياسية الوطنية لإداء السلطة وطبيعتها وتطلعاتها، واجراءاتها في ادارة المال العام والحدود والحكومة، نتج عن ذلك انتفاضة 25 /10 /2011 المجيدة.

ـ الطور الثاني من الوعي : بعد العام 2011، استثمرت الصحافة والكثير من القنوات والكتاب العراقيّون في الداخل والخارج، فسحة الحرية لفضح محاولات القوى الحاكمة في تشويه تاريخ الأُخُوّة لمكونات المجتمع العراقي، إذ حاولت القوى الحاكمة تقسيم الشعب الى مكونات متنافسة على الحكم، شبه متكارهة فيما بينها، وحاولت اختصارها بأحزاب طائفية وعرقية، تتحرك بآليات خارجية.

ـ الطور الثالث من الوعي : يمكنني تحديده بالسنوات من2014 الى نهاية 2018، وفيه انكشفت ألاعيب السلطة كلها، اذ مر العراق بأحرج مرحلة لتاريخه الحديث، إذ سقط ثلثا البلاد بيد داعش السوداء. وفوق ذلك تم الاستحواذ كلياً على ميزانيته المالية، وتمت موازنة موارد العراق لثلاث سنين بوصولات مزورة، كأن الخزينة محل بسيط في الشورجة!!.

وقد حتمت هذه المرحلة وجوب التحرك الشعبي لأسباب عديدة ، أولها، ان الحس الشعبي العام بضياع البلاد وظلم الحكام وفسادهم صار واضحاً جداً. والثاني احساس الشعب بأن فساد الحكام وخيانتهم لم تجعلهم يبنون قاعدة جماهيرية تدافع عنهم، والسبب المكمل (الثالث)، احساس الشعب بأن قوى الجيش والشرطة لن تهاجم الثوار.

ـ الطور الرابع : قبيل الثورة، إذ ان العوامل السابقة والظروف الداخلية الخانقة والظلم الذي لحق بالشباب ـ وما يزال ـ جعل من الثورة حتمية تاريخية، ستدخل بالحتمية الحضارية عبر الاجواء الآتية :

1ـ ان الشباب هم ثروة استمرار التغيير المستقبلي، وهم الآن مادة الثورة وحيويتها.                 2 ـ ان الجو العالمي، خاصة ما يصنعه الوطنيون في بلدان الهجرة، بما يتصلون به ويتواصلون معه من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ومؤسسات الامم المتحدة.                      

3ـ نضج الوعي الداخلي الى حد تبني قيم التضحية والفداء، من أجل تحقيقي الأهداف المشروعة، المشرعة من قبل الحكام أنفسهم الذين وضعوا فقرات الدستور والأحكام القانونية المتعلقة بالتنفيذ.

4 ـ انفضاح خيانة وولاء وتبعية أكثر المتحكمين بقرارات السلطة والدولة والبرلمان، الى الحد الذي جعل عامة الناس تتندر بتسميات السياسيين، ونعتهم بنعوت ساخرة حد القدح بشخوصهم وسلوكهم الديني (!).

منازلة الثوار

ما أن حل شهر تشرين للعام 2019 حتى توقف كل عمل حكومي وبدأ العمل للشعب فقط، وفي هذا الوقت تجاوز الثوار ـ شباب التكتك خاصة ـ كل تحصينات الحكومة، ولم تبتزهم تهديداتها ولا قواها الخفية ولا (قامات) المندسين ولا قناصي الطرف الثالث. ومع الثوار شارك الشعب كله بلا خوف ولا توقف، حتى استسلمت الحكومة وأعلنت الاستقالة والذهاب الى حكومة تسيير الأعمال لإجراء انتخابات مبكرة.

التوقف المؤقت

عند دخول الثورة عامها الثاني اجتاح العراق والعالم كوفيد 19 فانسحب الثوار مؤقتاً، وما ان انقشعت جائحة كورونا حتى عاد الثائرون بحلة أٌخرى ووعي جديد وقوة منظمة واعية تماماً، ليس لها سوى هدف واحد اسقاط النظام.

الثورة والوعي الحضاري

ان التجربة العملية للسنوات الثلاث الماضية على الثورة جعلت الثائرين أمام مسؤولية كبيرة، هي عدم خذلان الشعب الذي وضع ثقته بقياداتها، وهذه المسؤولية ستحتم على الثوار حكماً حضارياً بالاستمرار حتى تحقيق جميع أهداف الشعب التي تتلخص بـ [القضاء على الفساد المالي والإداري، ووضع دستور عادل يساوي بين جميع أبناء العراق في الحقوق والواجبات، وبناء دولة مستقلة تُرَفّه شعبها وتحترمهم، وبناء قوة أمنية قادرة على حماية الشعب وحقوقه وحدود دولته، لا تتدخل بشؤون أحد ولا أحد يتدخل بشؤونها].                  

ان الحتمية الحضارية للثورة تجيئ عبر:

ـ توحيد جهود الناشطين لبلورة قيادة موحدة من حيث الأهداف للمرحلة القادمة. أي العام 2023 وما بعده.

ـ جعل إدارة الثورة مشتركة وانتخاب عميد رمزي لها وتكون القرارات مشتركة كلها.                           

ـ توجيه النضال المستمر نحو احتواء الشباب والمثقفين والاعلام بإشراكهم إشراكاً مباشراً بخطوات التحرر من الفاسدين والخارجين على الدستور، كل شريحة بحسب ما يتوفر لديهم من قدرات على كبح جماح القتلة وسارقي المال العام.

ـ أخذ القرار الذي لا رجعة فيه وهو : استمرار الثورة بلا عنف ولا خضوع ولا توجيه لأي دولة كانت. اي عدم انتظار اي معونة من الولايات المتحدة الامريكية ولا من غيرها، والتفكير مجدداً ببرلمان ودستور يكتبه الوطنيون العراقيون ذوو الاختصاص، ويتم تنفيذه ـ بعد النصر ـ بأيادي عراقية متنورة متخصصة نظيفة.. ومن المؤكد ان بلادنا وَلّادة لمثل أولئك الثوار الخيرين.