اخر الاخبار

يبدو ان وزارة الثقافة مصرة على التوجه الى بالماضي في مؤسساتها بدليل انها مازالت معنية بكل ما هو سالف وتليد، وكأن هذا الماضي هو الانموذج الذهبي الذي يراد اتخاذه سبيلا لبناء المستقبل العراقي المرتقب والمرتجى والمؤمل لحياة مزهرة !

فهي لم تكتف بطباعة كتب هامشية مثل : مغنيات بغداد ، الكواكب في العراق القديم ، حوادث بغداد في اثني عشر قرنا ، الاصول التاريخية لمحلات بغداد ، فن الشرق الادنى القديم ؛ ترجمت لنا مؤخرا كتاب ( المغامرات الاولى في بلاد فارس وساسان وبابل) ، واعتنت عناية كاملة بنشر المذكرات الشخصية والحكايات الشعبية في مجلات وكتب !

وهي تسعى الان لاعادة طبع كتب متوفرة في المكتبات بطبعات عديدة ولا حاجة للقارئ بها راهناً ..

كذلك توجهت هذه الوزارة التي كنا متفائلين جدا بوزيرها الاكاديمي المرموق صاحب المنجزات الممتازة في تأليف وترجمة كتب تعنى بالحداثة .. الا اننا لم نعد نجد مسؤولا يملأ موقعه بكفاءة وخبرة وذهنية عصرية يمكن لها ان تفتح ابواب المعرفة على متغيرات العالم الجديد الذي بات يشهد متغيرات شتى على الاصعدة كافة حتى اصبحنا نفتقر الى سطور تبوح لنا بالحقائق المحيطة بنا ، والى مجلة او مطبوع معنيّ بالعلم والفكر والتنوير والثقافة التي تبني وعي الانسان ، وكأن العراق بات عقيما من  المبدعين والمفكرين والعلماء !

من هنا باتت الامية سيدة الموقف في حاضر الثقافة العراقية الرسمية واصبح التوجه الى الماضي هو السبيل الوحيد لبناء الغد !!

وبتنا نجد من يعنى بطلاء جدران مسرح الرشيد ودائرة السينما والمسرح ولكن بلا عروض جادة ورصينة، وبافتتاح قاعة تشكيل داخل الوزارة بلا معارض ، ودوائر مثل : الازياء ، الموسيقى ، ودائرة التراث وسواها.. معطلة عن العمل حتى بتنا نتساءل عن مقومات وجودها ووجود العاملين فيها !

ان مانشهده اليوم يبدو لنا واضح المعالم وان ما نراه من (منجزات) لا يراد منه الا (صناعة الجهل ) لدى العراقيين حتى اننا استعدنا الصورة التي نقلتها لنا الروائية توني موريسون في روايتها (جاز) والتي جاء فيها :

« في عصور الاستعباد يحرمون على السود شيئين هما : القراءة واستعمال الالات الموسيقية ، ذلك ان القراءة تعلم المرء على قراءة القوانين ومن ثم يتوجه المرء الى المطالبة بالحرية ، ولكنها في حقيقة الامر تحمل وسائل ومعلومات(شيفرة) «

فهل تريد وزارة الثقافة العراقية ان تمارس مثل هذا الدور ضد العراقيين ، بحيث تحول دون نشر العلم والمعرفة بينهم ، مثلما تريد ان تفقدهم حواسهم الجمالية والرموز الحية في خطاباتهم الجريئة والموحية والتي تشير الى كوامن الخلل في مجمل المسيرة الثقافية التي تغيب في عراق كان اول من علم الانسانية وفتح امامها ضوء المعرفة !؟

لا نشك في التوجه الوطني للوزارة لان منجز قيادتها منجز شخصي محترم ـ  كما اسلفنا ـ لكن ماهو محترم اكاديميا ليس بالضرورة ان يكون ناجحا وموفقا في ادارة ثقافة الوطن .. ذلك ان صناعة وبناء الثقافة الوطنية الحقيقية تختلف عن الخطاب الاكاديمي الذي بات هو الاخر يمنح الشهادات الميتة والزائفة لمن يحتاجها وظيفيا لا معرفيا ..

من هنا تبدا كارثة ( صناعة الجهل) التي بتنا ندرك انها تنم عن استيعاب ان يكون الكفء وصاحب الرؤية الخلاقة والتجربة الحية هو الذي يرقى بوعي الناس وليس الصديق والقريب والمدعوم من هذه الجهة او تلك !!

ان وزارة تغيب عنها الثقافة الوطنية الحديثة وتحول دون تبوء الخبرات والكفاءات التي تختزن المعرفة والعلم ولا تريد ان تقدمها باخلاص ومسؤولية ودراية تامة؛ وزارة تعتمد على (شخصيات) ضعيفة لا تملك سوى الطاعة العمياء لما تقوله وتأمر به امزجة مسؤولين لا يعرفون كيف يوجهون الخطاب الثقافي الذي يرقى بحياة وعقول البشر ؛ وانما العمل على شدهم الى الماضي الكسول ، بل الميت على وجه اصح ويريدون لهذا الموت ان يحيا في ظل حياة ميتة اصلا ولا يفكر احد بما ستؤول اليه الامور ، حتى اننا لا نجد شبيبة الوزارة تتظاهر.. باتجاه تغيير وتطوير طبيعة العمل وانما حصر المطاليب بتحسين الاوضاع المعيشية وزيادة الرواتب والمخصصات .

ومع ان هذا حق تكفله لهم القوانين وتدعو الى ان الارتقاء بوعي هذه الشريحة من موظفي وزارة الثقافة امر مطلوب ومهم جداً ،لان الثقافة لا تحيا بالمال وحده ولا بزيادة الرواتب والمخصصات حسب وانما بتطوير عقول العاملين وتثقيفهم وتوجيههم الى الانشغال الحقيقي بعملهم وعندئذ يمكن ان تكفل لهم القوانين حقوقهم المنطقية في الارتقاء باوضاعهم المعيشية ..

نعم .. وزارة الثقافة لابد ان تعيد صياغة خطابها في عالم يشهد ثورات وانقلابات حادة على الاصعدة كافة .. فهل نبقى اناسا يقبلون على الفرجة ويتمسكون بماضيهم (التليد ) فقط ..؟

عرض مقالات: