اخر الاخبار

هذه النصوص تدعو للتفاؤل النابه وتمكن من فن القصة القصيرة للكاتبة آلاء الخيرو وهي تقدم مجموعتها القصصية (حكايا الجدران) وهو عنوان لنص جميل يشكل احدى قصص المجموعة التي تضمنت ثلاثة عشر قصة تكمن فيها الكثير من القضايا السلوكية والاخلاقية والعاطفية التي تحاكي ألفة المكان في اغلبها وعادة ما يكون البيت وساكنيه وذكرياته داعمها الاكبر، فضلا عن قصص اخرى تهتم بتفاصيل فردية قد تحدث لأي انسان في ظروف معينة أجادت الكاتبة توصيفها وبناء حبكتها بعبارات موجزة تحمل من غنى الدلالة وقوة المعنى ما ينطق صراحة بنضج القصة واستواءها فنيا وبتنوع واتساع ثقافة صاحبها .

بدت الكاتبة وفية للسرد الذاتي وما يتملك النفس من احاسيس الحب والتذكر والتألم والبوح في قصصها ( رسالة لم ترسل، محاولة لتطويق الكائن .. اللا مرئي، حكايا الجدران، سيد الصمت، حلم) ووفية للبعد الاجتماعي الذي يأخذ اللحظات والوقائع موضوعا له ومن ذلك قصصها ( يوم خارج عن المألوف، ليل ابيض .. وازهار سوداء، الرجل المقصود، الطبع غلب التطبع) كما أنها اتخذت من طبيعة المواضيع  وهي (الابوة القاسية، الحنين، الفقد، استمرارية الحياة على الرغم من الالم، المرض، الموت، سوء الفهم، تهويمات الحب، الحلم، الاستحواذ والظلم…) دوالا تشكل البنى السردية الحاضنة لفكرها ورؤاها ازاء الحياة والناس والمجتمع وهي تحاول أن تجعلنا نلمس فيها  تغيرا نوعيا في ابتكار طرق عرضها وتقديمها للقارئ بما يشد اهتمامه ويثير في ذهنه الكثير من التساؤلات في المفاهيم العامة ووضع اليد على جرح العلة في المجتمع وتشخيص عيوبه، وقد اعتمدت الكاتبة في كل ذلك على الصوت الواحد فهي السارد العليم على مدار القص وليس لها طرق مختلفة في اتخاذ الاساليب القصصية التي تعتمد التبئير أو التجريب والتقنيات السردية الحديثة او ما بعد الحداثة؛ ذلك انها تطرح دواخلها وما تمليه عليها نفسها بعفوية قد تقترب من المباشرة في الطرح احيانا لكنها مباشرة غير مقصودة لذاتها فقد البست الكاتبة النص رداء بهيا رغم طريقتها تلك، وما سهل على القارئ تقبل العفوية والمباشرة في القص التي اشرنا إليها تلك نظرته إلى هذه النصوص وهو يضع في الحسبان أن القصة القصيرة جنسا ادبيا فريدا، يجعلنا نغوص في الاشياء الصغيرة لتظهر كبرها  فتبهرنا بأسلوبها ومن ذلك ما فعلته الكاتبة في قصصها (يوم خارج عن المألوف، عربة، ما وراء النهر، يوم صالح) فقد استطاعت أن تجرنا إلى العديد من المشاكل والعيوب التي تعتور واقعنا الخاص والعام على مختلف المستويات إلا أنها لا تقدم حلولاً أو علاجاً لها، ويبدو أنها تتبنى التقنية المعهودة في الفن القصصي التي لا تعتمد على التبرير، بل تطرح القضايا العامة والخاصة في أبعادها الإنسانية العميقة، محاولة أن تفتح العيون على المشاكل لا أن تحل المشاكل، وبذلك تحدث المشاركة الوجدانية التي تجعل القارئ نفسه بطلاً يعمل، ويتألم ويأمل وييأس ويخوض مع أشخاص القصة معركة الحياة.

من اللافت للنظر أن للموت  حضور طاغ في أكثر من قصة بلبوس مختلفة، فقد افتتح القص في قصته الاولى وهي (رسالة لم ترسل) لشخص يتجول في بيته حين يعود إليه بعد مرور السنين ووفاة والديه ليستذكر فيه عائلته وحيواتهم التي يكون فيها لوالده القاسي الدور الأمثل فيها، وهذه التيمة ظهرت في قصة “حكايا الجدران” بالطريقة نفسها ولكن بفارق ان تكون الام هي المتوفاة والاب يلحقها بعد أن يلتقي بابنه ويتحدث إليه وهو يستذكر ايامه الجميلة معه فيغدق عليه بعاطفة تنذر بالرحيل، وهناك قصص تتسم بالخوف من مواجهة الموت كما في قصة محاولة لتطويق الكائن اللا مرئي إذ تعالج فيه مواجهة الناس لوباء كورونا وهذا الخوف اخذ اكثر من منحى ففي قصة (ليل ابيض وازهار سوداء) كان الخوف يتربص بامرأة تخشى الموت اثر مرض وراثي، واذا اردنا أن نضيف دلائل اكثر شمولية لهذه التيمة التي يشوبها الحزن ويتملكها الأسى فإننا نجد انها تشير إلى أن الانسان يوجد بين فكي قوتين للموت الاولى تتمثل بالموت بوجوده البائن والثابت في زمن ماضي والثانية تتناول الموت بوصفه مجهولاً تخافه الشخصية وترتبك في مواقفها ازائه، وهذا يبين لنا مدى ارتباط القص بواقع الانسان وانشغالاته التي يحوم حولها الموت بوصفه المعادل الأمثل للفقد والانتهاء والمعادل الموضوعي للتهيب من المخفي وغير المعلوم وقته، وكانت الغاية من ذلك التقاط مواقف انسانية شديدة الرهافة والشاعرية تمكنت الكاتبة من صياغتها بيدين متقدتين بالإبداع وقلب يحاكي الوجدان بأسلوب باهر اثبت امكاناته في موضوعات اخرى تتخلل القص ايضا.

عرض مقالات: