اخر الاخبار

(1)

لم يحظ َ الشاعر الفلسطيني الراحل/ معين بسيسو/ بالكثير من الدراسات النقدية - على مستوى الكتاب - التي تتناول تجربته الشعرية رغم أنّه ُ من أقدم الشعراء الفلسطينيين الذين تفاعلوا مع تحوّلات الشعر العربي بعد التجديد والتحديث اللذين أحدثهما الشعراء العراقيون الرواد: السياب، البياتي، نازك الملائكة، بلند الحيدري في أربعينيات القرن الماضي. ومن الناحية الزمنية/ العمْريّة يكون/ بسيسو/ أكبر من الشاعرين: محمود درويش وسميح القاسم، إذ وِلد عام 1929، وهو عام ولادة الشاعر/ توفيق زياد/ أيضاً. لكن َّ مديات انتشاره لم تكن بسعة انتشار الشعراء الثلاثة – رغم منجزه المتنوّع الواسع - لأسباب قد ترتبط بموقف الإلتزام السياسي/ الفكري وما يستوجبه ُ من ضرورات وتبعات. ومع َ أنّه ُ يشترك معهم بالموقف ذاته، إلا أن َّ لبسيسو ظروفاً خاصة، وتفاعلاتٍ أكثر جدّية، وطريقة في ادارة الأعمال والانتشار والتفاعل الاجتماعي.

إن َّ منجزالشاعر الابداعي المتنوّع، يمكن الإشارة إليه على مستوى اصدارالمجاميع الشعرية و الكتابات النثرية والأعمال المسرحية وبما يتفوّق به كمّيا ً على أقرانه وبالنوع الذي شكّل خصوصيته. ومن بين مجاميعه الشعرية: حينما تمطر الأحجار، كراس فلسطين، جسدي كيس من الرمل، قصائد مصرية، فلسطين في القلب، الأشجارتموت واقفة، جئت لأدعوك بإسمك، مارد من السنابل، آخر القراصنة من العصافير، الأردن على الصليب، قصائد على زجاج النوافذ. إضافة إلى الأعمال الشعرية الكاملة. ومن الكتابات النثرية، له ُ: مات الجبل.. عاش الجبل، باجس أبوعطوان، دفاعاً عن البطل، البلدوزر، دفاتر فلسطينية. أما الأعمال المسرحية، فهيَ: ثورة الزنج، مأساة جيفاره، الصخرة، العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع، محاكمة كتاب كليلة ودمنة.

(2)

من أهم مميزات شعر/ معين بسيسو/ بساطة التشكيل اللغوي، وضوح الفكرة، الميل إلى التهكم والسخرية، مواجهة الواقع والتجارب الحياتية وتعارضاتها كونه ليس من أصحاب التجارب الباطنية، الهم الفلسطيني الذي يُمثّل شاغله الوجودي، التفاعل مع الرموز العربية والماركسية والمسيحية والحيوانية، مسرحة الحالة الشعرية، التماهي مع تجليات البطولة.

(3)

من دالّة ودلالة الرموز التي تفاعل معها الشاعر، تلمّس َ الكاتب العراقي/ شوقي يوسف بهنام/ نبضا ً حسيّا ً لأن يضع كتابا ً عن الشاعر بعنوان عريض: معين بسيسو والغضب المقدّس – رؤية نفسيه لمنجزه الشعري. وهكذا جاءت فصول الكتاب تتابعا ً: بسيسو والبهلوان، بسيسو ورموزه الحيوانية، بسيسو ورموزه العربية، بسيسو ورموزه الماركسية، بسيسو والرموز المسيحية. ورغم تخصص الكاتب الأكاديمي: ماجستيرآداب/ علم نفس، وبكالوريوس آداب/ فلسفة.. إلّا أن َّ طروحاته لم تكن تحمل مكاشفات نفسية أو فلسفية وبما يتواشج مع عنوان كتابه العريض، وإنما جاءت بطريقة التعليق على عيّنات شعرية ترد فيها الرموز التي حددها، كما لم يتضح معنى (الغضب المقدّس) الذي بقي طافيا ً على غلاف الكتاب من دون تحليل له ُ في متنه ِ. وكان الأكثر ملائمة ً أن يكون عنوان الكتاب: معين بسيسو – قراءة في رموزه الشعرية، كي يتجنب توصيفات مثل: الغضب المقدّس والرؤية النفسية.

إن َّ ما قام به الكاتب - مع ملاحظة كثرة الأخطاء الإملائية والنحويّة – لا يتعدى قيامه بعقد مقاربات ومقارنات بين رموز بسيسو الشعرية والجذور التاريخية والسياسية والدينية لهذه الرموز من دون أن نجد تأويلاً نفسياً؛ إذ لا بد َّ من التمييز، هل كان البعد النفسي المُفترض كامنا ً في ذات الشاعر أم في مدركات الكاتب..؟ وللتوضيح سأورد نموذجا ً لطريقة تحليل الكاتب (النفسية) وهو عيّنة لما يشابهه:

يقول بسيسو:

الببغاء في غيبوبة المصير

في نزعها الأخير

ترتجف

في مصفحة

الببغاء في الخريف

صوتها هرم وريشها استحال إلى رماد

والببغاء حينما يذبل في منقارها الكلام يا أيها الأقزام

ينبذها أسيادها الكبار في قفص

قضبانه خيوط عنكبوت.. تنقر في الأفيون حتى تموت.

يقول الكاتب:

 في هذا المقطع يأس من الببغاء، الببغاء صارت هرمة.. في النزع الأخير. في غيبوبة المصير. مامعنى غيبوبة المصير ؟! المصير معدوم الهوية.. لا أفق يلوح له. ضياع في غياهب المجهول والسقوط في هوّة العدم. وتتمة النص ماهي إلّا استطراد لهذا المناخ النفسي الذي تعيشه الببغاء في حيرتها الجديدة. هي مخلوق رتيب. ولينين زعيم البلاشفة زادها رتابة ما بعدها رتابة. حتى القفص الذي توضع فيه الببغاء ليس أكثر من خيط عنكبوت. (انتهى).

هل هذا القول يُمثل (الغضب المقدّس والرؤية النفسية) في شعرية بسيسو..؟ أم أنّه ُ استطراد وتكرار وشرح للقصيدة..؟

وهنا لا أُريد مصادرة حق الكاتب في الكتابة بالطريقة التي وجدها مناسبة لفهمه وقراءته لشعرية بسيسو من خلال رموزه، لكنه تعقيب قد يجد طريقه إلى الصواب، عسى أن يكتسب التوصيف: معين بسيسو والغضب المقدّس – رؤية نفسية لمنجزه الشعري، الرسوخ الفني الأدق. ويبقى قصب السبق في هذه المحاولة - التي أراها الأولى - لكاتب عراقي يكتب كتاباً عن بسيسو...

عرض مقالات: