اخر الاخبار

هذه الرواية المشوّقة “على نار هادئة” للكاتبة “بولا هوكينز”، التي طغت شهرتها بعد صدور روايتها الأولى “فتاة القطار”، ولحقتها بروايتها الثانية “عتمة الماء”. اللتان احتلتا قائمة “نيويورك تايمز” للكتب الأكثر مبيعًا لعام 2015. ترجمها عن الإنجليزية الحارث النبهان.

هذه الرواية شائكة، وتتطلب من القارئ تركيزا، حتى يجمع الدلائل في رحلة البحث عن الجاني “الذي أفلت بفعلته” وقد تعاملت الروائية البريطانية باولا هوكينز كما يتعامل الروائي النبيه مع شخصياته، بسموّ العارف المبتكر، والذي لا يفرق بين مخلوقاته، خاصة عندما تتعدد الأصوات في سرد الحدث. كل شخصية تروي حسب موقعها، فالروائي المبدع لا يميل لجهة ضد جهة أخرى، تعهده ينحت شخصياته بازميل دقيق ليوضح الشخصية، وطبيعتها ككتلة بشرية لها ثقلها؛ تلتقط من المحيط، وتتفاعل مع وجودها، كأنها حقيقية..

رواية “على نار هادئة” في ظاهرها تشبه الى حدّ كبير الروايات التي تكتبها مواطنتها اجاثا كريستي.. ففي روايتها ثمة لغز حول قتيل، وبعد مناورات حوارية يكشف الستار عن حل ذلك اللغز، الا باولا هوبكنز تقدم روايتها بطريقة اكثر شمولية عن هذا اللغز، حول قتيل تحيط به ثلاث نسوة، لا تعرف احداهن الأخرى الا من خلال ذلك ال”قتيل الذي وجدت جثته في زورق متوقف في مكان معزول في إحدى البلاجات، قتيل غامض، يتناوبن في الاعتراف حول ما يعرفن عنه، وثلاثتهن يعانين من الشعور بالضيق النفسي، والوحدة السقيمة، جاءت اعترافاتهن، كأنما صرخة ضد الملل الداخلي بالتحكم في الشعور بالحرية الذاتية، والكبت، ففي كل فصل تأخذك شخصية الى مكان معلوم، في زمن عائم. تروي عن تفاصيل لا تعلم بها الأخرى. حيث تضعك الكاتبة في مشوار ابتدأت به امرأة متطفلة تسكن في زورق مجاور، تدخل لتكتشف جثة في زورق جارها، وتبلغ الشرطة عن “ذلك الذي أفلت بفعلته”. حيث الضحية يلف حولها الغموض، ويدفعنا الى متابعة سلسلة تحقيقات، ذكية قادرة على نقل الشك من مكان الى آخر.

باولا هوبكنز في غاية النباهة عندما اعتمدت الحوار المقتضب في مواصلة حكايتها، كونها أدركت ان الحوار في الرواية على الرغم من أهميته فانه يثقل، بل يقلل من التقانة خاصة إذا تحول الى حوار اخباري يختزل من مساحة السرد، فالسرد يضعف عندما يترك الكاتب روايته يحيكها بكلمات حوارية غالبا ما تصلح لنشرات الاخبار. او ثرثرة على حساب الصورة. الحوار كلما تضخمت مساحته على حساب السرد، يحول الرواية الى تقريرية.

بولا هوكينز/ 1972” من بين أبرز الكتاب المرموقين في العالم، خاصة بعد أن رفدت المكتبة الإنسانية بروايات مدهشة وجهت الأنظار اليها، كواحدة من بين أشهر الروائيين في العالم، لما اظهرته من معرفة بتقانات جديدة وجديّة تصبّ في حلاوة الفن الروائي، الروائية التي لم يعرفها القراء الا بعد رواية “فتاة القطار” عام 2015، الرواية الأولى التي جاءت باسمها الصريح، بدأت بكتابة عدد من القصص الخيالية الرومانسية ذات الطابع الكوميدي تحت اسم مستعار باسم “ايمي الفضية”، كتبت 4 روايات من ضمنها “اعترافات ريسي نيستا المترددة”، ولم تحقق أي انجاز يذكر ثم بدأت بكتابة رواية أكثر سوداوية “فتاة القطار”.

بعد ذلك تصدر اسمها ضمن قائمة “نيويورك تايمز”، وحققت اعمالها اعلى المبيعات في العالم، وتنحدر المؤلفة من بين الذين درسوا الفلسفة والسياسة والاقتصاد في جامعة “أوكسفورد.

لقد رسمت هذه الرواية المثيرة عبر فصول شيّقة، تقاسمتها ثلاث نساء حاضرة إضافة الى شخصية الضحية الغائبة، الأكثر غموضاً، والتي تربط بينهن. الأولى “لورا” ذات الشخصية المضطربة التي كانت آخر من شوهد في مسكن القتيل بعد قضائها ليلة معه. والثانية خالته الثكلى “كارلا” التي فجعت قبل أسابيع فقط بفرد آخر من أفراد عائلتها. والثالثة الجارة الفضولية “ميريام” التي عثرت على الجثة لكن لديها أسرار تخفيها عن الشرطة، إضافة شخصيات جانبية أخرى أيضا لها فاعلية في حركة احداث الرواية شخصية المحقق الذي أطلقت عليه اسم “البيضة” كذلك شخصية “ثيو زوج كلارا” الكاتب الذي يدس انفه في كل شيء لأجل ان يعرف، ويود الكشف عن خفايا الجريمة، الا ان في كل مرة يحرج نفسه في ورطة لا يستطيع الفكاك منها بسهولة، (ظل سنة او سنتين غير قادر ابدا على الكتابة، بل انه لم يكد يحاول العودة اليها. وفي المرات القليلة التي أقدم فيها على المحاولة، عندما حاول الكتابة، لم يأته شيء.. كيف يكتب عندما يكون قلبه محطما؟ عندما يكون قلبه منزعا من جسده انتزاعا- الرواية)..

رواية ثلاث نساء لا تكاد واحدتهن تعرف عن الأخرى شيئًا، ولكل منهن علاقة مستقلة بالقتيل، وفي نفس كل واحدة منهن، لأسباب مختلفة، حقد قديم هاجع مثل جمر تحت الرماد. ذكاء الكاتبة المتوقد جعل من القراء يشكون بجميع الشخصيات التي تمّ التحقيق معها، وكأنما كل هي الجانية الحقيقية، كتبتها بتشويق العارف المتمكن في رسم مجتمع “نساء يطمحن التعويض عما وقع عليهن من ظلم- الرواية”.ش

عرض مقالات: