اخر الاخبار

يلقي عباس نظرة قلقة على الأفق. لقد انتهى اليوم تقريبًا وليس هناك ما يشير إلى عودة قريبة لجاموسه. إنه يعرف متى لا تعود حيواناته، بعد التجوال المضني بحثًا عن الماء النادر في هذا الجزء من الهور. لابد أنّها ماتت.

لقد فقد عباس بالفعل خمسة من قطيع جواميسه المكون من عشرين جاموسًا، بعد أن أضعفها الجوع ومزقت المياه المالحة أحشاءها.

إنّه ينطلق خمس مرات يوميًا في قاربه الصغير عبر الأهوار، ليملأ عبوات بلاستيكية بالمياه من بركة متبقية شبه آسنه، ويعود بها إلى حيواناته.

لقد فقدت الأسرة 20 جاموسًا حتى الآن.

على عكس المربين الآخرين الذين هاجروا إلى المدينة، يصر عباس على البقاء.

ـ لِم لا ترحل أنت أيضًا يا عباس؟

ـ لا أعرف أي عمل آخر

لقد نشأ عباس في الأهوار، وتربى وسط المشاحيف والجاموس والشبّوط والخنازير البريَّة.

لا شيء يضاهي جفاف هذا العام!

ثمة جاموس برزت أضلاعه من تحت جلده، يدلي بلسانه من فرط العطش، بينما يقف عصفور صغير رمادي اللون على رأسه، بالتحديد بين قرنيه!

شخصان يجذفان في المياه الضحلة المتبقية، تحلق فوقهما بعض الزرازير التي لم تهاجر بعد.

صيادون يجمعون القصب الجاف على طول الأهوار التي تحولت إلى صحراء.

صديقي القديم الذي يعمل في دائرة الزراعة في الناصرية يقول:

ـ نشعر بالعار يا رجل. ونحن نرى ما يجري من موت بطئ للحياة، ولا يمكننا فعل أي شيء.

صبي يقود جاموسًا مربوطًا بحبل.

(يقول مسؤول في الدائرة القانونية بوزارة الخارجية العراقية، التي تتعامل مع الشكاوى ضد الدول الأخرى، إن المفاوضات بهذا الشأن مع تركيا تجري ببطء قاتل) رويترز.

ـ ومع إيران؟

ـ (محاولات التواصل مع إيران بشأن تقاسم المياه أوقفتها شخصيات بارزة، قالوا لنا أن لا نتحدث مع إيران بشأن ذلك!) ). رويترز أيضًا.

منظر جوي للأهوار مع قوارب ومنازل قصبية.

رجل بزورق يحمل أطفالًا يجذف في مستنقع.

فتيات عراقيات يذهبن إلى المدرسة على متن قارب  (في الماضي. عندما كانت هناك مياه).

رجل داخل مضيف مهجور يصنع الشاي على لهب القصب  (ينفخ في الدّخان).

(نعيم علوان يصنع الشاي داخل منزله في أهوار الجبايش .(أسوشيتد برس

دبلوماسي أمريكي يقول:  إن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية دربت المسؤولين العراقيين على قراءة صور الأقمار الصناعية، من أجل  “تقوية موقف العراق في المفاوضات مع تركيا”.

مع غروب الشمس خلف الأفق في الجبايش، لم يعد جاموس عباس أبدًا. أنّه الحيوان السادس الذي يفقده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“الطريق الثقافي” العدد 117 في 20 آذار 2023

عرض مقالات: