اخر الاخبار

سنتعرض في هذا المقال إلى كيفية مقاومة التحديات التي تؤهل الروائي لكتابة رواية بشكل احترافي، كما سنتعرض لما يلزمه من متطلبات لبلوغ الهدف نفسه. كل روائي منا يريد أن يكتب رواية قوية، وليس هذا فحسب؛ بل يريد أن تخلّد تلك الرواية عبر الزمان، ولن يستطيع الوصول إلى مأربه إلا بتوفر شرطين أساسيين: الأول ارتكاز الموهبة في خلجة نفسه، والآخر تعبئة تلك الموهبة وصقلها بالدراسة والبحث لسنوات طوال على أن يتحلى بالصبر ورباطة الجأش، ولا تخشى من الفشل؛ فالشرط الأول يدفعك دفعا لتحقيق الآخر بلا كلل أو ملل. لكن ثمة شيء هام، لقد خلقنا متفاوتين في القدرات، لذلك تجد أن حجم تلك الموهبة والقدرة على صقلها تختلف من روائي إلى آخر، وينجم عن هذا تفاوت في مهارة الروائيين مما يؤدي بدوره لصعود بعضهم إلى قمة الهرم وتعثر البعض الآخر وسقوطه فور صعوده لسفح الهرم.

1 - الفكرة المبتكرة

أهمية الفكرة:

اعلم أن الوصول إلى فكرة مبتكرة هو أصعب شيء في الرواية على الإطلاق، وأنها لب الرواية وقلبها، فمنها تستطيع أن تفرع عناصرها، ومنها يمكنك أن تحدد شكل شخصياتك وأماكن الصراع وزمنه.

الفكرة المتقنة والفكرة المضطربة:

والوصول إلى الفكرة قد يستغرق وقتا طويلا، فإذا نجح في الوصول إلى فكرة راسخة مبتكرة وضم عناصر يافعة تلتف حولها وتدور في  فلكها - لتغذيها وتؤويها - خرجت الرواية بيضاء ناصعة لا تشوبها شائبة. وعلى العكس قد تخرج الفكرة مقلدة، والتقليد ليس كالأصل مما يؤدي بدوره لظهورها مضطربة، وتأتي عناصرها تبعا لذلك مضطربة فلا تستطيع أن تلتف حولها وتدور في فلكها فتهوى في متاهات لا نهاية لها وتترك الفكرة عارية لا مأوى لها.

كيفية الوصول إلى الفكرة:

ونوع الفكرة هي نقطة البداية على الإطلاق، فهي التي تحدد المراجع كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي سوف تعكف على دراستها، ومن رحم تلك المراجع تستطيع أن تنجب فكرة، لكنها سوف تكون في طور التنشئة فقط، وسوف تترعرع وتشب بضم عناصر لها فضلا عن توفير بقية أركان الرواية من شخصيات وحبكة وزمان ومكان وحوار. وثمة عامل قوي آخر يساعدك على الوصول إلى الفكرة، هو أن ترسم لوحة فنية تعبر عن فكرتك العامة بعد دراستك للمراجع، وتحدد مجموعة من الشخصيات الافتراضية، وكذلك مكان وزمان افتراضيين، حتى الحوار فلن يعدو في البداية أكثر من مجرد مسودة.

تطبيق:

أنتَ تريد أن تكتب رواية عن الفضاء. فابدأ بإعداد مراجعك -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي خُطت وأعدت لتقدم لك منهجا متكاملا عن علوم الفضاء، أمعن النظر فيما قرأت وشاهدت وسمعت حتى تصل لفكرة مبتكرة، فإن لم تستطع الوصول بعد إلى الفكرة فواصل الكفاح ولا تيأس. إذا وصلت إلى الفكرة فغالبا ما تكون فكرة في بداية أطوارها، ولن تتبلور إلا عند وضع بعض العناصر السردية التي سوف تدور في فلكها - لتشد من أزرها- ووضع شخصيات تنفعل معها، وتحديد زمن ومكان مسرح الأحداث، عندئذ سوف تخرج راسخة ولاسيما بعد ضم الخواطر  إليها؛ تلك التي ترد إليك وأنت تخط روايتك.

2 - الشخصيات

اختيار الشخصيات:

الشخصيات ركن من أركان الرواية، ويستحيل أن تكون ثمة رواية بدون شخصيات، كما هو مستحيل أن تختار شخصيات لرواية لم تحدد فكرتها الأولية، ومن العسير أن تحدد كل شخصيات روايتك إلا بعد تبلور فكرة الرواية واكتمال عناصرها، وليس هذا فحسب؛ فربما وأن تحاول أن تكمل حبكة الرواية تحتاج إلى إضافة بعض الشخصيات التي بمثابة ضيوف شرف في روايتك.

اختيار أوصاف الشخصيات:

 لابد أن تكون سمات الشخصيات تتواءم مع فكرة الرواية وعناصرها، سواء تلك الصفات الخلقية أو الخلْقية حتى تدور تلك الصفات في فلك الفكرة وعناصرها وكذلك الحبكة. وفور أن تضع للشخوص أوصافها لابد أن ترفع قلمك عن التعبير عن ثقافتك أو مشاعرك أو انفعالاتك أو إمكاناتك لأنك ببساطة بت ممثلا عن كل هذه الشخوص وعليك بإتقان أدوارها أمام القارئ.

دور الشخصيات في الحوار:

والشخصيات لها انفعالات داخلية أثناء تفاعلها مع أحداث الرواية، عليك أن تبرزها على السطح باستخراجها من مكامنها، وتنقل بقلمك انفعالاتها، وربما تكون وسيلتك في ذلك إبراز لغة جسدها مع نقل ملامح وجهها أثناء تفاعلها في الحوار. فإن قصرت في نقل انفعالاتها الداخلية أثناء أداء دورها في الرواية فسوف تخرج شخصيات روايتك ميتة لا حياة فيها، مما يؤثر تبعا على بقية أركانها فيعتريها الضعف والفشل.

تطبيق:

هذا الكلام ينقسم إلى ثلاثة جمل: «فانحنى عوده قليلا وهو يزفر من الأعماق، وغمغم.» فانحنى عوده قليلا: جملة خاصة بلغة الجسد وتشير إلى انتباه الشخصية بما قيل أو سوف يقال. يزفر من الأعماق: جملة خاصة بالانفعال، وأغلب الأحوال تأتي الزفرة من كلام آلمه، وربما أغضبه لينفس بها عن غضبه. وغمغم: جملة خاصة بالانفعال، والغمغمة تصدر عن الخائف وربما عن الغاضب. ولن تحدد ملامح تلك الجمل الحوارية إلا عندما تعرف أوصاف صاحبها والكلام الذي وجه إليه من محاوره. وهذه الجمل جاء بها “محفوظ” ليبث الروح في الشخصية كي تشارك في الحوار الذي يخدم بدوره الرواية بوجه عام.

3 -الحوار بين الشخصيات

لا يجب تدخل سارد الرواية في أقوال الشخصيات المذكورة في الحوار، بل الشخصيات هي التي تملي عليه ما سوف يسرده في روايته، فالحوار يخرج من عواطف الشخصيات وانفعالاتها لا عواطف وانفعالات سارد الرواية نفسه. دور السارد مقتصر على تنظيم ما يصدر عنها من كلام وانفعالات عن تلك الشخصيات، لأن الشخصية الحوارية لا تتحدث عن مشاعرها الداخلية أثناء الحوار إلا قليلا.

علاقة الحوار بالفكرة والحبكة:

والحوار الذي يصدر عن الشخصيات لابد أن تكون له سمة تتجانس مع صفة تلك الشخصيات، وليس ذلك فحسب بل لابد أن تدور الحوارات في فلك فكرة الرواية وحبكتها وعناصرها، فإن كان الحوار منسقا ومعبرا عن طبيعة الشخصيات ولكنه لا يدور في فلك فكرة الرواية وحبكتها فهو دخيل محتل كفيروسات الحاسوب التي تقلل من كفاءة أداء نسخة الويندوز.

تطبيق عن دور الحوار في الفكرة الرئيسة:

فمثلا بطل روايتك رائد فضاء كبطل رواية المريخي لآندي وير، هو فوق سطح المريخ يصارع طبيعة المريخ القاسية من أجل البقاء، عندما يصنع حوارا داخليا مع نفسه لا يصح أن يخاطبها عن مشكلة عانى منها منذ صغره بسبب والده أو والدته، وإنما يجب أن يقتصر حديث النفس عن مهاراته وخبراته الطويلة في دراسة كيفية مواجهة الطبيعة القاسية بمناخها والتغلب عليها من أجل النجاة من الموت.

تطبيقات عن  الانفعالات:

انظر إلى تلك الجمل الحوارية التي تعبر عن الانفعالات الداخلية إزاء الأحداث: «خاننا المحامي اللئيم، فتصلبت وجوههم وتبادلوا النظرات في انزعاج.»جملة حوارية ذكرت في رواية أبناء حارتنا، وتصلب الوجوه مع تبادل النظرات في انزعاج يبين مدى الفاجعة التي حلت بهؤلاء من خيانة المحامي، والانزعاج قد يدل على الهوان، لذلك لم تظهر على وجوههم نظرات الحنق والغضب الذي قد يكون دالة على القوة. وجملة أخرى: «وحيّاه الناس مضاعفين له التودد مدارة لسخطهم.» تجد في هذه الجملة الحوارية أن النفوس بلغ بها السخط إلى منتهاه تجاه هذا الشخص الذي يحيونه، ولم يجدوا وسيلة لطمس هذا السخط المرتكز في قلوبهم والذي لابد أن يظهر على ملامح وجوههم ولهجاتهم سوى مداراته بالمزيد والمزيد من التودد إليه.

_____________

*روائي خيال علمي

عرض مقالات: