اخر الاخبار

من اهم الكتب التي قرأتها مؤخرا كتاب الصديق المسرحي المخرج ــ الباحث والناقد المتميز د. فاضل  سوداني  ، والكتاب  عن العبقري ويليام شكسبير الذي يعد اهم  كاتب مسرحي  بعد  عظماء الإغريق الأوائل . و على الرغم من مضي كل هذا الزمن  فان نصوصه مازالت تعيش بيننا وفي كل مرة نكتشف خفاياها الفنية  لأنها تعالج  العديد من أوجه الحياة  المختلفة  ولهذا فإن  قراءآت شكسبير قد تعددت من مختلف نقاد العالم .

ان اعمال شكسبير الخالدة  في كل مرة  تجعلنا وكأننا نشاهدها او نقرأها لاول مرة لما فيها من عمق فني وفلسفي  وفي كل مرة تُقدم برؤية جديدة  في مختلف مسارح العالم   قد تصدمك  لكنها بالتأكيد تشعرك بالمتعة .

يعد كتاب د. فاضل سوداني واحد من اهم الكتب  التي كتبت من قبل نقاد عالميين وكذلك  باحثون ونقاد من الوطن العربي ، ولهذا تمتعت به شخصياً وأعتبره    من اجمل وامتع ما قرات عن شكسبير لأنه  تناول اعمال شكسبير المسرحية من جانب لم يسبق حسب علمي ان تناوله  بالدراسة العميقة والتحليل  التطبيقي ..

وقد يثير عنوان الكتاب  (العنف والفوضي المنظمة في مسرح شكسبير) بعض الجدل والتساؤل مثل كيف يمكن ان تجتمع الفوضي مع التنظيم او كيف يمكن للفوضي ان تكون منظمة ؟ . وهو سؤال منطقي ولكن  طرح  ومعالجة الدكتور سوداني لفكر شكسبير المتشعب بين العنف والفوضى  المنظمة كذلك  كان منطقياً ومقنعاً  ولقد عمد خلال صفحات كتابه الثلاثمائة ونيف الي الكشف عن جوانب هذا العنف وإرتباطه  بالفوضي التي  عالجها شكسبير في جميع أعماله تقريباً  وكذالك  البرهنة علي انها فوضي منظمة ليس فقط في النصوص الشكسبيرية وإنما في العروض المسرحية لهذه النصوص .

في قراءتة الجديدة هذه يبتعد د. سوداني عن منهج القراءات السابقة ويعمد الي منهج مغاير لها  بالاعتماد علي البصرية  ويسمية (بالتحليل البصري ) ، بمعنى أنه يقوم بقراءة النص الشكسبيري ثم قراءة العرض المسرحي  كما شاهده في المسارح المختلفة او الفرق العالمية التي عرضت في كوبنهاكن التي  كان يتابعها  .

وقد ركز بشكل خاص علي اكبر المأسي الشكسبيرية  واكثرها جدلاً  واعني مسرحية (هاملت) مثلا  اذ افرد لها في كتابه  الجزء الأكبر  محللا النص المسرحي  وثم تحليله كعرض فوق المسرح وتحليل رؤية المخرج او قراءة المخرج للنص دراماتوجيا باحثا في كل كبيرة وصغيرة وما الجديد في هذه القراءة ليدلل من خلال ذلك علي العنف الموجود في ثنايا النص الشكسبيري والفوضي المنظمة التي تعمه  الي جانب ذلك جماليات النص او العرض وكذلك  لم يهمل مناقشة  حتي الدراسات او القصائد التي كتبت حول جنون اوفيليا حبيبة هاملت فجاء بقراء لقصيدة رامبو الشهيرة عنها  وكذلك قراءته لبعض اللوحات الزيتية التي رسمها رسامون لهذه الأوفيليا وجنونها وانتحارها .

كل ذلك استعان به المخرج والباحث  د سوداني ليصل الي الغرض الذي سعي اليه وهو العنف والفوضي المنظمة في مسرح هذا العبقري فتنوعت  قراءة الفكر الشكسبيري  من خلال  النص المكتوب  وقراءته  لعروض مختلفة كان شاهدها في قلعة هلسنيور بالدانمرك والتي ينظم فيها مهرجان خاص احتفاء بهاملت وكاتبه  تحت اسم (مهرجان هاملت الصيفي تقدم فيه مختلف  عروض هاملت  من مختلف الفرق المسرحية العالمية )  وقد جعلنا هذا الكتاب نعيش معه هذه العروض بقراءته البصرية او التبصيرية  فيحلل لنا مثلا أحد العروض المهمة  لفرقة من ليتوانيا واخري من برمنجهام ثم فرقة المسرح الدنماركي الصغير  عن عرض هاملت فقط  معرجا علي استخدام الغروتيسك والتغريب احيانا والراوي ، ويتوقف قليلا عند عرض المخرج  اوجين باربا عن هاملت  دافعا بنا الي عالم هؤلاء المخرجين الذين قدم كل واحد منهم هاملت برؤية مختلفة عن الآخر وهذا يجعلنا نتمتع بثلاث عروض وثلاث رؤى مختلفة عن أهم الشخصيات الشكسبيرية القلقة .

لا يتردد المؤلف في الاستعانة بكل ما يخدم رؤيته لدراسة وتحليل اعمال شكسبير سعيا لاكتشاف العنف والفوضي فيها وكذلك فعل مع مسرحية (الملك لير)   وحتى في  مسرحيات شكسبير الكوميدية  والأخرى المبنية على أهمية الحب  وغيرها.

الكتاب.. قراءة جديدة وضعتنا  امام رؤيا جديدة لمسرح شكسبير واكتشافات جديدة كانت خافية سابقاً كما دلنا علي اعمال فنية من انواع اخري لها ارتباط باعمال شكسبير ويمكنها ان تزيد رؤيتنا وتعيننا علي قراءتها المتجددة .

عرض مقالات: