اخر الاخبار

 وداع

لم تتسع الحدائق الرافلة بالخضرة لفرحهما وهما يعدوان تارة أو يحضنان بعضهما من دونما وجل، إذ أتاحت لهما الأقدار هذه الفرصة المذهلة ليكونا معا وليتسلقا سوية عربة دولاب الهواء ولينتظرا لحظة وصولهما الى القمة ليجربا قبلة لها طعم الأعالي الشاهقة ثم ليلقيا نظرة عميقة الى المدينة تحتهما. كان ذلك الإحساس وحده كافيا ليجعلهما سعيدين الى درجة العناق... هكذا هربت تلك الساعات الضاجة بالأشتياق.. قالت: هل تعتقد ان حلمنا قدتحقق اخيرا؟ ابتسم وأومأ براسه الى البحيرة، وقال لها انظري الى تلك القوارب، كيف تنهب الامواج وهي تتقدم بثقه..امسكت بذراعه واردفت:  -اشعر معك بأمان غريب..ليتنا كنا معا.. أشار الى النوارس وهي تحلق عاليا ثم همس في اذنها- ماذا لو نبتت لنا اجنحة الآن ..انفجرت ضاحكة وقالت كنا سنحلق عاليا ونختار  تلك الغيمة البيضاء وطنا.. قال : لماذا تنقضي اللحظات الجميلةبسرعة ؟ ثم شرعا يتمشيان، يجوبان الشوارع، ويتطلعان بوله الى واجهات المحلات المزدانة باضوية النيون المشرقة..طويا الطريق ولم تتبق غير خطوات قليلة كي يصلا الى بيتها، اخبرها قبل ان يصلا بأنه لايحب لحظات الوداع وانه لن يتوقف ليودعها ستستدير يمينا الى حيث ينتهي الزقاق الى  بيتها وسينطلق هو الى الامام.. قبل ان يبلغا المنعطف نظر الى عينيها المخضلتين بالدموع ،ثم واصل خطواته من دون ان ينبس بكلمة علّ السنين القادمة ستجود عليهما بلقاء جميل كهذا بعد غياب طاعن  بالوجع ادمى قلبيهما وانهك قواهما..

 الشارع

لم اكن لأعتقد ان الأمر سينتهي الى نزاع مسلح يذهب ضحيته العديد من الشباب الذين اصبحوا وقودا لمثل هذه المعارك وشبيهاتها ..ابتدأ الأمر بتسمية احدى الشوارع  المحتشدة بالدكاكين من قبل رجل قاسي الملامح تسلق السلم الذي كان يحمله ابنه المراهق وعلق اليافطة التي كتب عليها (..شارع الشهيد جاسم حميد) .وانتهى الأمر بعشرات التساؤلات والاستنكارات التي داهمت سكنة الشارع الى ان بلغهم انه كان قد لقي مصرعه في حادث سير عابر ..بعد ايام لاغير بادر احدهم بتعليق لافتة  محاذية للأولى اعلن فيها بان الشارع بإسم الماسوف على شبابه كريم حازم الذي تبين فيما بعد انه قد قتل في ماخور مشبوه..وتقبل الناس بعد حين وجود اليافطتين ولكنهم فوجؤوا بيافطة جديدة  ،لامعة الالوان تعلن اسما جديدا عرفه ابناء الحي من اسم والده الذي يشغل منصبا مهما ،كل مافعله انه ناب عن والده في تبليط شارع فرعي بائس ولم يجد الأب غير هذه المكرمة الباذخة يقلدها كنيشان بطولة على صدر سمعته العالية  ومع كل ماحصل من مبادرات لتسمية الشارع الا ان سكان الحي صدموا في ذلك الصباح بمعركة طاحنة نشبت بين عدة عوائل ولم تكن الاسباب واضحة على الرغم من مجاهدة اصحاب المحلة في معرفة اسرار واسباب تلك الفاجعة التي هزت اركان الطمأنينة والهدوء وطاردت  فلول الأمان الذي تعثر على عتبات مدينتنا الحالمة ..

 حدائق

 استبشر طلبة ثانوية عباس بن فرناس خيرا في ازاحة مديرها العتيد ونقله الى مدرسة نائية مع عقوبة (لفت النظر) لما اقترفه من ذنوب كبيرة تمثلت باجتراحه لعشرات الطلبة الفضائيين الذين كانوا يأتون لأداء الامتحانات النهائية فحسب، وفي صفوف حرص المدير ان تكون بعيدة عن انظار الجميع من مدرسين وطلاب فضلا عن صفقات كان يجريها مع بعض الموظفين لبيع القاعات الامتحانية لمن يدفع اكثر...بقيت المدرسة لأسبوع كامل من دون مدير ولكن اللغط تواصل واستشرى عن المدير القادم وخصاله وطباعه واسلوبه في ادارة المدارس.... سُعد البعض واستاء اخرون شرعوا يلوكون قلقهم وارتيابهم وفي اليوم الثامن دلف المدير الجديد الى غرفته وأغلق الباب..بعد ايام فوجئء الطلبة بوجود اعداد كبيرة من العمال باشروا بنصب الاسلاك الشائكة حول الحدائق الصغيرة التي كانت متنفس الجميع وفي حركة مباغتة اخرى غادر مدرس اللغة العربية المكتبة التي كانت تزود الطلبة بالكتب القيمة والثمينة الى حياة التقاعد سالخا كل تلك الاعوام في خدمة  المدرسة والانشغال بتأثيث عقول التلاميذ بالمعرفة والثقافة.. وصُدم مدرس مادة التربية الفنية بقرار المدير في ازالة المرسم وبيع الآلات الموسيقية الفائضة لضمان (نثرية) جيدة تساهم في تحقيق احلام المدير الجديد ومشاريعه في تطوير المدرسة، ومن جملة المشاكل التي حرص على اذلالها هي بناء سياج اكثر متانة وارتفاعا من السياج الاول ولكي يضمن عدم دخول المتطفلين والطارئين الى ثنايا المكان ناهيك عن المباشرة بفرض قيود واجراءات صارمة امليت على الطلبة والتأكيد على ضرورة تنفيذها وتطبيقها على اكمل وجه.. في الايام القليلة اللاحقة اصبح المدير الجديد بكرشه الضخم وصلعته العريضة يتمشى في الممر الطويل وهو يتطلع إلى الهدوء القسري والاسلاك الشائكة التي حوطت خضرة الحدائق وجمالها.

عرض مقالات: