اخر الاخبار

“وبعد أن رتَّبتُ رؤوس أقلامها...

وجمعتهن في صرّة جدّة عتيقة كوجه الأرض،

قررتُ أن أصنع من كل تلك الصورة المتناثرة

قصيدة،

لا أخفيكم...

فنحن الشعراء لا نمتلك من الموهبة ما يجعلنا

متفوقين عليكم،

فقط ...

نحن نبصر - حتى من دون نظّارتين - ما خلف

الحائط.

ولأن الشعر موزّع هذه الأيام في المشافي،

وعلى الأرصفة والمدارس والمخيمات،

ولأن عديد المبصرين المرتدين نظّارتين للزينة أكثر

من قصار النظر اليوم،

راجت أعدادُنا حتى ناهزت الآلاف..!

ولأنهم كلَّهم..

وأعني الشعراء..

يميلون لـ(مكيجة) المفردة، وتعديل هندام

نصوصهم بقوة نجّار ماهر،

قررت أن لا أربط أفكار هذه القصيدة كما

كنت أفعل من قبل..

سأتركها هكذا..

مفككةً بينكم..

كمحرّك أجاد ميكانيكيٌّ فتحه؛

(برغياً).. (برغياً)

و(نتّاً)( نتّاً)..

ولن أقول (صامولةً) .. (صامولةً)..!

على الرغم من أن الأخيرة لها جرس شعري..!

سأترك القصيدة كقلبٍ مفتوح ينتظر عمليته

الأخيرة،

فلا أجمل من (كُذلةٍ) تنسرح عبثيةً فوق وجنةٍ

من دون تصفيف.

أليس المصوّرون أفضل من يصنع التكوين داخل

إطار الصورة؟

- بلى...

لكنّهم باروا وبارت صورهم،

حين أجاد الـ(سيلفي) بأن يحوّل الصورة إلى:

(صورةٍ) و(مصوّر)

فلكم..

هذا الـ(سيلفي)..

الذي لن يليق إلا بأن يكون:

(سيلفي) مع الله”. (مقدمة)

ان اول مفاتيح النص التي نلتقطها بوقت مبكر ما كتبه عمر السراي من مشاكسة في مجموعته الشعرية (حلويات) تبتدئ من (الإهداء): “إلى طفلٍ لم يمتلك ثمنها”، اما أولى عتبات النص التي استوقفتنا هي العنوان الذي يفتح أبواب المجهول لأنها يمكن ان تنطوي على مئات الحلويات المتعارف عليها، وغير المتعارف عليها وهي تستدعي للذهن (الكركيعان) الذي يحتوي أنواعا متكاثرا من الحلويات، والذي عدّه الناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي مماثلا للكولاج في الرسم وفي النحت، سواء كان الكولاج يعني تلصيق أي شيء ممكن على سطح اللوحة او تكوين اللوحة من عناصر متعددة كلا نهائية تعدد الكولاجات (الملصقات) فكان النص، كما يقول الشاعر عمر السراي في (مقدمة):

“وبعد أن رتَّبتُ رؤوس أقلامها...

وجمعتهن في صرّة جدّة عتيقة كوجه الأرض،

قررتُ أن أصنع من كل تلك الصورة المتناثرة قصيدة”.

لقد وجدت متن الكتاب مطابقا لغلافه الذي تكهنت بشكل غلافه قبل ان اراه، لأنني قراته نسخة الكترونية أولا دون غلاف، وهو لوحة للرسام العراقي د. فاخر محمد، بينما كانت تخطيطات المجموعة مرسومة من قبل الرسام العراقي سعد علي بالوان مائية او شفافة وليست بخط صلب (سولد) ممتلئ السواد مما جعلها لا تستجيب كفاية للطباعة بالاس والأبيض.

يستمد الشاعر كل ما يقع تحت يده من المخزون الثقافي:

كلما سمعتُ داخل حسن يغني:

(يمه.. يا يمه)

تذكّرتُ أبي..

فالآباءُ سببٌ رئيسٌ لأمراض الأمهات. (ويلاه.. وويلاء)

تماما كما ان التدخين سبب رئيس لأمراض الرئتين الجهاز التنفسي!

يقسم عمر السراي خارطة الشعر الى قارتين واضحتي المعالم، قارة يعتبر اتباعها الشعر عملا ثقافي اتدوينيا مملوءا بالإحالات والاشارات والاسانيد والتناصات الثقافية كشعر اليوت مثلا، وقارة تعتبر الشعر خلجات وزفرات القتها النفس الامارة بالشعر، القتها هكذا ببساطة كشقشقات تندفع كمحتويات البراكين ساخنة وقوية وذلك كاف لتستقر تلك النفس بعدها، وتخلد الى الراحة، كشعر جاك بريفير ومحمد الماغوط وكريم جخيور.

نجد ان تجربة عمر السراي متناصة مع ارث ثقافي شعبي وتراثي كبير يمتد من داخل حسن الى كل الثقافة الشعبية العراقية والعربية باتساعها وتنوعها.

يستخدم عمر السراي المفارقة لا كما يستخدمها شعراء كثيرون تبدو القصيدة عندهم وكأنها كانت (طرافة) فتمت شعرنتها والباسها لبوس القصيدة، فتنمو عنده المفارقة نموا طبيعيا لتندغم بالدلالات في أوسع تجسداتها.

ان النزول الى اليومي المعيش من خلال اللغة اليومي هي الأخرى:

“تذكرتُ..

لقد أوقفني غشيمٌ في زاوية القصاص متّهماً

بالسلام وحينما سألتُهُ عن هويته

أخبرني بأنه (تاج راسي)

ضحكتُ، وأجبتُهُ:

نعم أنت تاجٌ لرؤوسنا،

فرؤوسُنا صارت بالحضيض مذ عرفناكم”.

همالك تقنية مهمة استخدمها عمر السراي بجعله هوامش النص جزءا من شعرية النص ذاته، وليست تفسيرات توضيحية كما في نص (حلم) وغيره.

خلاصة القول اني اجد عمر السراي حجر فلاسفة الشعر فحيثما يحتك مع اية فكرة يتناص معها قتتحول الى شعر كما يحول حجر الفلاسفة المعادن الخسيسة الى ذهب عند خيميائيي القرون الوسطى، فهو قادر على الكتابة في كل شيء: الاحياء العتيقة والمقاهي واليوميات والشؤون العابرة والهموم الصغيرة.a

عرض مقالات: