اخر الاخبار

أن كثيرا من المشاهدات في لوحات الأورفلي يذكرنا بموروث ثقافي فني اجتماعي مازال يمتلك نبضه وتأثيراته البصرية، عن طريق سعي الفنانة للمحافظة على العلاقة ما بين القصة وجماليات الممارسة التشكيلية في الرسم، ممّا أدى بها، للعمل على منح التصوير الواسطي بعدا جماليا تعبيريا من دون التفريط بالقواعد والتقاليد لهذا الفن القديم في جذوره، إذ أنّ عملية إعادة رسم الواسطي بتغيرات واقعية يشكل أحد مناهج تأمل الموروث العراقي الفني. إن العودة إلى الواسطي تنبع من أصالة الطرح الفني لهذه الفنانة التي تبحث فيه عن الجذر الأسلوبي، وروح التراث، فضلا عن استطاعتها التعبير عن موقفها الحضاري الثقافي، حيث يكمن دورها الإبداعي في البحث عن التوازن ونقاط الالتقاء بين كل تلك الكنوز والإبداعات في حضارات مختلفة زمانا ومكانا، مطعمة كل ذلك بمستجدات العصر ومؤلفة بين ما توصل إليه الفن الغربي من ناحية وروحية الفن الإسلامي والفن العراقي القديم من ناحية أخرى، مؤكدة في ذلك بمدى وعيها بحضارة عصرها. أن الشخصية الأنثوية لهذه الفنانة ستبقى واضحة لا في اختيار الموضوعات، بل في أسلوبها بما يمثله من إتقان ومهارة إبداعية، وإن كان موضوع المرأة قد شغل الأورفلي، طيلة مسيرتها الفنية، فقد جرها ذلك إلى تناول موضوع النساء بصفة عامة، انطلاقا من الحياة اليومية، ومرورا بالخرافات والأساطير الشعبية، وصولا إلى حكايات ألف ليلة وليلة، كمخزون حضاري رحب، مؤمنة بأنها جديرة أن تكون مرجعية لمواضيع أعمالها، والفن الإسلامي، وخاصة أعمال الواسطي، ليكون مرجعية لإنجاز مشروعها الفني.  لقد أتت خطوط لوحاتها نقية واسطية، في تناظر ديناميكي كطريقة بناء وجدانية وتأليف إنشائي، كل ذلك في تكافؤ بين الشكل والمضمون وبخطوط منسابة وحركية وحيوية ومنتظمة بين مستقيمات ومنحنيات، في تحوير للرموز، تماشيا مع الموضوع في الحفاظ على التوازن والتناسق بين كل ذلك، سواء بين الثبات (الخزانة) والحركة (الشخوص)، أو بين المساحات اللونية (الشفافة) وبين الخطوط (العاتمة الداكنة) أو بين بساطة المساحات (الستائر والخزانة) ودقة التفاصيل (الوجوه والزخارف وبعض الملابس)، أو بين الألوان (الوهاجة والنقية) وبين درجاتها اللونية (الهادئة)، كل ذلك عملت من أجله الفنانة لتتجاوز فيهما أسلوب الواسطي. وعملت الفنانة وداد الأورفلي على ابتداع أسلوبها الشخصي عن طريق اعتمادها على صياغة متفردة لموضوعها الشعري بطابعه القصصي والجمالي، فضلا عن تحويراتها للأبعاد المعاصرة في الرسم، ولعل في تجربة هذه الفنانة ما يذكرنا بتجربة الفنان جواد سليم الذي حاول إثبات أصالته، إذ التصق عبر تجربته بمحيطه ومجتمعه، متوخيا الجمع بين المعاصر والموروث، تلك المعادلة التي لم يستطع تحقيقها إلا القلائل من أجل تأسيس مدرسة عراقية ذات طابع متميز، بحيث كانت هذه الفنانة مؤمنة بأنها في بلد غني بالموروث الحضاري والفني الذي غيبت قيمته ومساهمته في مسار تعاقب الحضارات والإنجازات الإنسانية. وقد وجدت الفنانة في المنمنمات مسرحا لإيجاد أسلوب عراقي عربي للفن التشكيلي، لأن ذلك لا يجعلنا نغفل عن رسومات الأورفلي للمنمنمات التي خلقت في ثناياها نصوصا تضمنها شئ من روحها حيث قدمت نوعا من فن التعبيرية المقترنة بفن التصوير لتطرق عدة مواضيع تعكس صورة المجتمعات الإسلامية من جهة وبما يوحي للكثير من القراءات ومن ضمنها طرز لوحاتها  بطرق مواضيع قدمت أكثرها على أسس المدرسة الواسطية، لتأتي مقدمة فنها على وفق ما تحمله من الظاهرة الإلهامية لفن المنمنمات الذي تعتقد ان ممارسته تفريغ فني جبل عليه البشر في كل الأزمنة ثم تصاعد لاحقا في ربط العقائد الروحانية بالفنون. فيما حمل اللون في لوحات الأورفلي دوراناً ملأ لوحاتها بتعابير فوق ما تعنيه أو ما تود الحصول عليه، فقدمت لوحاتها بين الخطوط واللون في تمازج إحداهما تشكيلي والأخر جمالي وتعبيري بغض النظر عن الرمزية والوجدانية لعلاقات الألوان بعضها ببعض، والتي عادة ما تثير رد فعل فطري مرتبط بالتقاليد والأعراف الاجتماعية الراسخة لكل مكان وزمان والتي تأخذ منحى فلسفياً في العادة، وكثيرا ما كانت وداد الأورفلي تبتعد عن استعمال اللون المفرد فتبدو اللوحة التي تقدمها زاخرة بعدد كبير من الألوان على الرغم من محدوديتها في المكان واقتصارها اللوني. ولخطوط الأورفلي فلسفة معمارية مرتبطة بالزمان والمكان معاً فهي مستقيمة في السقيفة لمباشرتها أو منحنية كما حال العقود والقباب وكما الحنين الراقص كما في خطوط الكتابة والمعالجات الزخرفية.

اعتادت وداد الأورفلي أن تقدم أغلب لوحاتها بلا وجوه فهي تجسد شخوصها بلا ملامح فيكون تقديمها بلباقة ويعطي للمتلقي حالة انطباعية أكثر مما هي واقعية من حيث الأبعاد والمسافات كما تهبنا صورة عن الأبعاد الثنائية للوحتها أكثر مما للثلاثية في مفهوم يكاد يكون منطقياً من خلال فلسفتها وخلقها لمدينتها أو عوالمها التي تعبر عنها، بإشراك الواجهات والأجناب والأسقف في الصورة نفسها لعرض مدن كثيرة داخل المدن، فتقدم الأشكال فيها بالطريقة التي تشعر الرائي بوجود الأبعاد الثلاثة عن طريق الخطوط ومساحاتها المجردة وكذلك الألوان ودرجاتها بحيث لا يخضع دائماً للمنظور الحسي المألوف بقدر ما يعتمد على الإحساس النسبي الموحي بالعمق الذي يبين الرسم واستجلائه. فإعطاء الروح لفن المنمنمات، قد تحتاج إلى روح فنان ذو عبقرية فذة وجهد جبار ومعجزة حتى تتمكن من تلمس خطوط المنمنمات من بين ثنايا شخوصها، فقد اهتمت بتقديم شخوصها القليلة في نقل إيقاعات الحياة الشرقية المحلية بما يتعلق بالحس والحركات ولاسيما لنساء ذوات الوجه المستدير وإذا وجدت ملامح قدمت فيها العيون اللوزية الكحلاء الناطقة، والفم المكتنز والشعر الكثيف المزين بالزينة؛ تستطيع أن تقدم مدينة مزخرفة مقاربة في فنها إلى المنمنمات والفنون الإسلامية، لتصنع شكلاً مبتكراً لمدينة تخيلية من دون بشر، فتحمل أغصان ونباتات وأزاهير ولكن لا يوجد بشر، فتحمل رسوماتها من شعورها بالاغتراب أو العزلة، فتتقدم وتصنع مملكتها لتعيش بها. لدى الأورفلي شكل مؤسس على قواعد الضبط في فن التصميم كميزان الذهب ليكون ما يحمله من خطأ ضئيل جدا، لان الذهب مادة ثمينة، يقاس به وحدة الضبط عند الأورفلي. الشكل لديها منظم جدا، فمدينتها المليئة بالقباب الإسلامية والتي تستخدم كطراز بناء بيوت من الماضي أو مباني مقدسة، فعندما تمسك أدواتها تحصر أولا الشكل الذي تود رسمه كأنه نص من الشعر كانت قد كتبته مسبقاً وحملته ذاكرتها فتعطيه (كلوز) كأنها مصورة في مخيلتها، وتضع بعدها أفكارها التي هي خلاصة تجربتها المتأثرة بفن التصوير، لتكون مدينة قلما يعيش فيها بشر، لأنها قليلا ما ترسم بشراً، فرسمها يشبه الحاشية في التأليف العربي لتفسر ما يكتب في المتن هذا جانب والجانب الأخر الحاشية تكون مؤلفاً ثانياً في بعض الأحيان لتحافظ على سياق العمل من تأليف الكتب، هكذا كانت الموازنة لدى وداد الأورفلي في رسوماتها غير المتناظرة حيث لا يوجد تطابق بل يوجد تناظر حتى في الوجه الواحد إذا قسم بالنصف فكل شئ متناظر ولكن ليس متطابقاً وهي قاعدة خلقية، فتأتي وتحطم هذه القاعدة لتصنع موضوع المناصفة المتطابقة في لوحتها فمثلا وضعت المآذن من جهة كعلامة فارقة ومقابل المئذنة أخذت الخط القاطع وفي جهة ثانية أشياء ضئيلة وبعدها بدأت تمشي بنظام هندسي من النظرة الأولى لرسوماتها فنراه عملاً ممتعاً وكأنه جنة مبتكرة وتعيد تصنيع الجنة من وجهة نظرها الخاصة فهي تتوخى الدقة بالرسم وتحتاج إلى فترات زمنية طويلة وكما تعمل بالجهة الأسفل مدن مقلوبة وهذا نمط أخر من الاشتغال، ومرات تستدعي في رسوماتها نصاً مفتوحاً فتحمل لوحاتها الكثير من المدن والبيوت وعلامات وكنائس، فتاتي لتحلق بعالم التيه فتخلق مدينة من المدن المتكاملة ولتنظر من عدة جهات وقد تحمل مرات شخوصاً من دون ملامح ولا تمييز بين الذكر والأنثى وهي ترسم شخوصها منتصبة كالمباني من خلال ملابسهم وأطوالهم وتشكيلاتهم، فتأتي بفرشاتها كساحرة.. ذلك السحر الذي يثير مفاتن الجمال فالجمال أنواع فكل كائن ينظر إلى الجمال بمعياريته فالنحلة تتغنى بالوردة، وهي تفتش بالجمال مابين الألوان مابين الخطوط ومابين الأشكال التي تؤسس لها، فهي تود صناعة مدينة فتأتي بفرشاتها وتؤسس تلك المدينة الفاضلة، فتخرج من لوحة البشر وتجعلهم بداخل إطار وتضع لهم ملامح وعيون، وبتركيز كبير على الأزياء لأنها تسمح بإضافة عنصر زخرفي، فهي ذات خيال متقد وحرية وتأمل كبيرين، وعادة ما تكون الأورفلي أثناء آلية العمل في عالم هادئ بشكل مطلق ولا يتدخل احد بعملها فتحبس نفسها متجلية لتخلق إبداعا، فتكون بحالة تماس، أي تتلبس بشخصية وروح ما تفعل وذلك ضرب من الروحية أي تلك الطاقة الروحية القوية جدا وعندئذ تكون كما اللوحة التي تنجزها، كما تعمل بلا انقطاع ويكون فنها بمثابة علاج فتاتي متحدية سنوات عمرها وما قد تعانيه من أوجاع أو أمراض خلال أدائها للرسم وذلك ما يدعى المسكوت عنه لتقدم فن غاية في الدقة ومستوى عال من الروعة، كأن تقدم أي كائن ممكن قسمه نصفين لتأتي نصفيه غير متناظر مع القسم الأخر، وذلك للحفاظ على سياق العمل. حيث كان ديدن وداد الأورفلي في رسوماتها للمنمنمات خلق جديد في ثناياها نصوصا تضمنها شيئاً من روحها حيث قدمت نوعا من فن التعبيرية المقترنة بفن التصوير فتطرق عدة مواضيع لتعكس صورة المجتمعات الإسلامية من جهة، وبما يوحي للكثير من القراءات ومن ضمنها طرز العمارة والمعالجات الفنية السائدة، كما وقد دأبت الأورفلي إلى تصوير غالب لوحاتها لمواضيع قدمت أكثرها على أسس المدرسة الواسطية، مقدمة فنها على وفق ما تحمله من الظاهرة الإلهامية لفن المنمنمات الذي نعتقد ممارسته كتفريغ فني جبل عليه البشر في كل الأزمنة ثم تصاعد لاحقا في ربط العقائد الروحانية بالفنون.

وحمل اللون في لوحات الأورفلي الملئ بالتعابير فوق ما تعنيه أو ما تود الحصول عليه، فقدمت لوحاتها بين الخطوط واللون في تمازج إحداهما تشكيلي والأخر جمالي وتعبيري بغض النظر عن الرمزية والوجدانية لعلاقات الألوان بعضها ببعض، والتي عادة ما تثير رد فعل فطري مرتبط بالتقاليد والأعراف الاجتماعية الراسخة لكل مكان وزمان والتي تأخذ منحى فلسفي في العادة، فكثيراً ما كانت الفنانة تبتعد عن استعمال اللون المفرد فتبدو اللوحة التي تقدمها زاخرة بعدد كبير من الألوان بالرغم من محدوديتها في المكان واقتصارها اللوني، ولخطوطها فلسفة معمارية مرتبطة بالزمان والمكان معاً فهي مستقيمة في مباشرتها أو منحنية كما حال العقود والقباب وحنيناً راقصاً كما في خطوط الكتابة والمعالجات الزخرفية.

ان أغلب لوحاتها بلا وجوه وقد تكون مجسدة لشخوص بلا ملامح فيكون تقديمها بلباقة ويعطي للمتلقي حالة انطباعية أكثر مما هي واقعية من حيث الأبعاد والمسافات وتهبنا صورة عن الأبعاد الثنائية للوحتها أكثر مما للثلاثية في مفهوم يكاد يكون منطقياً من خلال فلسفتها وخلقها لمدينتها أو عوالمها التي تعبر عنها، بإشراك الواجهات والأجناب والأسقف في الصورة نفسها لعرض مدن كثيرة داخل المدن، فتقدم الأشكال فيها بالطريقة التي تشعر الرائي بوجود الأبعاد الثلاثة بالخطوط ومساحاتها المجردة وكذلك الألوان ودرجاتها بحيث لا يخضع دائماً للمنظور الحسي المألوف بقدر ما يعتمد على الإحساس النسبي الموحي بالعمق الذي يبين الرسم واستجلائه.

ـــــــــــــــ

*قاصة وناقدة تشكيلية.

عرض مقالات: