اخر الاخبار

الحبكة ( العقدة )

الحبكة: هي أن تحاول أن تجنّس كل ما سُرد في الرواية ليلتف حول الفكرة الرئيسة فتصل بها إلى وحدة عضوية متكاملة.

كيف تعرف أن الحبكة قوية:

كل ما تضافرت أركان الرواية وتجانست كانت الحبكة أشدّ متانة، والعكس بالعكس.

ولو كانت الفكرة تتفرع منها بعض العناصر، والذي يمثل أحدها حبكة لوحده، يكون الروائي قد أجرى في روايته حبكتين، فأخذ عقل القارئ وقلبه، ثم هداه بدمج الحبكتين في حبكة واحدة ثم فك خيوطها وأهداها له.

أنواع الحبكة:

أولا: الحبكة المعقدة

والحبكة تختلف من حيث تشابك خيوطها من رواية لأخرى، فقد تجد الحبكة لها خيوط عديدة متشابكة مع بعضها البعض بصورة معقدة، هذا النوع من الحبكات لا يكونها إلا روائي شديد الاحترافية وهو الوحيد القادر على فك خيوطها.

 لكن أين السبيل إلى مثل هذه العقد؟

الوصول إلى الحبكة المعقدة:

كي تكوّن حبكة قوية ثم تجعلها تنساب بين ثنايا أناملك كالماء لا تتبسط في تفريع عدة عناصر لفكرتك، فرّع وعقّد الأحداث بقدر ما تستطيع، عقّد ما دامت تلك الأحداث لن تخرج عن نطاق الفكرة العامة للرواية أو جوها، لا تخش أن لا تجد حلا لكل عقدة عقدتها، فقط اكتب وعقد، وإذا

خشيت أن يستعصي عليك أمر فكها فقسمها إلى عدة حبكات في ملف خاص ثم لملمها جميعا لتدخل إلى مشكاة واحدة وأنت تسرد الأحداث، ثم أطلقها من الجانب الآخر منسابة كانسياب الماء من بين يديك.

واعلم أن الحبكة المعقدة إنما تأتيك من توارد الأفكار والخواطر، فإذا جاءتك فلا تلقها من النافذة لتتحاشى طول الرواية. وثمة تحد آخر للوصول إلى حبكة بالغة التعقيد، هو مدى براعتك على إتقان بقية أركان روايتك، لأن أي خلل في سرد تلك الأركان سوف يضعضع في متانة الحبكة فيصيبها الخلل هي أيضا.

واعلم أن وضع تصور كامل لحبكة روايتك وأنت في بداية السرد مستحيل؛ حتى لو استقرّ الروائي على وضع الفكرة وعناصرها وحدد الشخصيات وصفاتها وكذلك أماكن الأحداث وأزمنتها، لأن الروائي ببساطة يقوم بتوليف كل ما سبق من بعد إتقانه من أجل الخروج بحبكة جيدة.

في رواية “أولاد حارتنا” هناك صعوبات عديدة لتجسيد شخصياته، في صورة الله، وآدم وحواء وإبليس وقابيل وهابيل وموسى وفرعون وزوجة فرعون وعيسى ومحمد وأخيرا دور العلم وموقعه من الدين والمتمثل في صورة عرفة.

 فأدهم: هو آدم 

صناعة المحاكاة: كما كان آدم في الجنة وطرد منها كان أدهم في الوقف وطرد منه.

زوجة أدهم: حواء

صناعة المحاكاة: كما وسوست حواء لآدم فطرد من الجنة وسوست زوجة أدهم لأدهم فطرد من الوقف.

الجبلاوي: الله

صناعة المحاكاة: كما أن الله على عرشه لم يظهر لأحد، هكذا الجبلاوي في البيت الكبير لم يظهر لأحد.

إدريس:  إبليس

صناعة المحاكاة: كما عارض إبليس الله اختيار آدم للتفضيل عارض إدريس الجبلاوي لتفضيل أدهم أيضا.

وكذلك حاكى قصة ابني آدم في صورة قدري وهمام.

وهكذا إلى آخر الرواية.

ثم ربط كل هذه العقد في عقدة عامة عندما حدد قصص الأنبياء بأنها الإطار الفني، لكن الإطار الفني هذا يراد به نقد الثورة والنظام الاجتماعي الذي كان قائما.

وكأن محفوظ أراد أن يرسم صورة المجتمع آنذاك في لوحة فنية متمثلة في الجبلاوي وأدهم وزوجته وفرعون وزوجته و.. إلى غير ذلك بلوحة فنية أخرى وهي إرسال الأنبياء بالرسالات السماوية والصحف والألواح. 

لكن الحبكة لم تكتمل في بعض أوجه المحاكاة، وذاك ليس لأن محفوظ عاجز بل لأن المحاكاة لن تخرج بصورة أفضل مما أخرجها هو.

من المؤكد أن العقدة مضطربة، لذلك اختلف في هذه الرواية كثير من النقاد حول مدلولاتها.

ثانيا: الحبكة السلسة:

وأحيانا لا تحتاج الحبكة إلى مثل هذا التعقيد المبالغ فيه في رواية “أولاد حارتنا” كمثل رواية “اللص والكلاب”، فالفكرة سلسلة، وتجنيس كل أركان الرواية مع بعضها البعض لم يكن بالأمر العسير، فكانت الحبكة سهلة فضلا عن متانتها.

فتجسيد فساد اللصوص الكبار -رؤوف علوان وأمثاله - الذين يفسدون في المجتمع وينهبون ثرواته إزاء فساد اللصوص الصغار- كسعيد  مهران- الذين يحاولون القفز على الكبار -كمحاولة سرقة سعيد لفيلا رؤوف علوان- فتواجههم صعوبات جمة، وكانت النتيجة هزيمة الصغار المتمثلة في قتلهم أو حبسهم أو ذلهم.

وخرج محفوظ بحبكة الرواية إلى بر الأمان فكانت عجينتها متماسكة ومتجانسة يصعب فناؤها على مر الزمان.

الوحدة العضوية للرواية

عندما تشعر وأنت تروي قصتك بأن قالب الرواية متجانس فاعلم أنك تصوب على الهدف بإتقان وأنك استطعت أن تشد انتباه القارئ، فإذا شعرت وأنت تكتب بالتوهان أو عدم الوضوح أو أنك تُحاضر أو تتفلسف أو تثرثر أو ..

فاعلم أنك مفلس وأن القارئ سوف يرمي قصتك فور أن يشعر بما شعرت أنتَ.

والعلاج أن ترجع لنقطة الصفر وتنصب الشروح التي بينتها لك وتطابقها بما رويتَ أنت في روايتك بقدر المستطاع فلعل شروحي تكون جديرة بالقدر الذي يضبط روايتك.

ـــــــــــــــــــ

*روائي خيال علمي/ العراق

عرض مقالات: