اخر الاخبار

إن حزم الأهداف التي رسمت على استراتيجيات التنمية الوطنية لم تر النور برغم تعدد هذه الخطط والأهداف التي تتلخص باستعادة الأمن والاستقرار وتأهيل وتطوير الخدمات الاساسية ولاسيما توفير الكهرباء والماء بالكميات التي تسد الحاجة الوطنية فضلا عن توفير فرص العمل وحل أزمة البطالة التي وصلت إلى معدلات صادمة، والسبب في كل هذه الإخفاقات ضعف التمويل وغياب إلزامية التنفيذ لإقرارها بلا تشريع.

غير أن تجربة تنفيذ تلك الأهداف أثبتت أن المسافة بين الواقع والطموح طويلة ومليئة بالمطبات والألغام، ولأن إزالة هذه الالغام بحاجة قبل كل شيء إلى إرادة سياسية حقيقية حازمة وصادقة وفكر اقتصادي متقد قادر على تأمين مصادر التمويل وحمايتها من مافيات السرقة وحيتان الفساد التي تمارس باستمرار عبر عمليات النصب والحذلقة للاستحواذ على فيض الموارد المتأتية من الارتفاع الهائل في أسعار البترول قبل عام 2014.

ومن الواضح أن تنفيذ أهداف خطط التنمية تلك ليس من السهل تحقيقها دون التركيز على تحقيق الاصلاحات الاقتصادية بما يكفل توافر الإدارة الاقتصادية وارسائها على أسس ديمقراطية في جميع المجالات بعيدا عن الانتقائية، وتشريع القوانين في مجال الشركات والمصارف والأوراق المالية والاستثمار والإدارة المالية واستقرار سعر الصرف وتأمين حمايته من المضاربات في السوق الموازية، كل هذه الإجراءات من أجل تحقيق أعلى قدر من المردود الاقتصادي لتلك الخطط.

إن تجربة المرحلة الانتقالية كشفت عن الحجم الهائل من المصاعب والتحديات التي وقفت وما زالت مصدا أمام مستقبل العراق ومصير أجياله اللاحقة، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي وإعادة الاعمار، وأثبتت أن التغلب عليها يستلزم التمسك بخطط وسياسات اقتصادية سليمة في ضوء حاجات الاقتصاد الوطنية بعيدا عن الانتقائية في استنساخ تجارب لم تسفر إلا عن مزيد من إفقار المجتمع، وبعكسها اتباع إدارة اقتصادية سليمة في الفكر والخبرات ومتحررة من مظاهر الفساد والمحاباة وهدر الثروات من قوى طفيلية تغلغلت في عمق الدولة العراقية وانتشرت كالنباتات الطفيلية المتسلقة، وأن معالجتها بكل تأكيد يتوقف على مدى التقدم في إحداث تغيير في البنية السياسية وتأمين قيادات واعية تراعي مصالح الشعب وتأمين قيام نظام مؤسساتي قادر على مواكبة التطور العالمي.

ومن الأمور المهمة التي تسهم في بناء القاعدة المادية لاقتصاد نام ومتطور التي غالبا ما أثير الجدل حولها هو كيفية الاستفادة من مزايا الاستثمار الأجنبي، والخطط المثلى لاجتذابه دون ان يكون ذلك عاملا سلبيا في التأثير على الاستقلال الاقتصادي ودينامياته الوطنية والتعامل معه وفق آليات تحقق نجاح الخطط التنموية. ومن المعروف لدى الاقتصاديين أن منطق الاختلاف حول الاستثمار الاجنبي هو كيفية التفضيل بين نوعيه المباشر وغير المباشر، فالأول يمثل استثمارا حقيقيا طويل الأمد في القطاعات الانتاجية والخدمية للاقتصاد الوطني كالصناعة والزراعة والطاقة والسياحة والاتصالات، أما النوع الآخر غير المباشر فيتركز في الأسواق المالية وتملك الأسهم والسندات الخاصة أو الحكومية. وما يهمنا في العراق هو استمرار البحث في مزايا الاستثمار الاجنبي المباشر والتوقف عند فوائده كمصدر تمويلي خارجي للمشاريع الاقتصادية والخدمية في إطار الاستراتيجية الإنمائية الوطنية وأولوياتها، خاصة أن مزايا هذا النوع من الاستثمار باتت واضحة في العديد من التجارب اللافتة كما في الهند والصين والمكسيك والبرازيل من خلال اكتساب التقنيات الحديثة ومكافحة البطالة وتنويع الصادرات، والعراق بأمس الحاجة  إلى إعادة الإعمار، ومن المفيد التأمل في التجربة الصينية إذ نجحت الحكومة هناك  في التمتع بأعلى نسبة من الاستثمارات الأجنبية وحققت أعلى معدلات التنمية في العالم وأكثر من ضعفي معدلات التنمية في الولايات المتحدة الامريكية دون أن تؤثر هذه التجربة على التفريط بمصالحها الاقتصادية وسيادتها الوطنية بما تحمله من دلالات فكرية واجتماعية مفيدة بالنسبة للجدل الذي يستمر حتى الآن حول قانون الاستثمار في العراق والذي يمكن معالجته من خلال الربط بين القرار الاقتصادي والقرار السياسي اللذين يأخذان في الحسبان مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الثانوية الأخرى.

عرض مقالات: