اخر الاخبار

“يغسل الفن  الروح  من غبار الحياة اليومية “ كما يقال. ولطالما رافق الفن حياة الإنسان منذ أن رسم سلفه البدائي مخاوفه على جدران الكهوف، وظل كذلك حتى اليوم.

ويعد موضوع حضور المعارض التشكيلية في زمننا واقتناء الأعمال الفنية، ظاهرة حضارية تدعم جهود الفنان وسعيه لتقديم متعة وثقافة بصرية،  من شأنها  توسيع المخيلة ومراكمة التذوق الجمالي مع المعالجات الفكرية والتفاسير المتنوعة  للحياة، بما يعزز  ويدعم جميع القدرات المعرفية.

وتخضع عملية اقتناء الأعمال الفنية لشروط مهمة، أولها توفر الاستقرار الأمني والاقتصادي. إذ لا يمكن ممارسة أية فعالية فنية في ظل حروب وصراعات محتدمة، مثلما لا يمكن تقديم عرض لوحة ما على تأمين ثمن رغيف خبز.  وتستند هذه العملية على حصيلة خلفية ثقافية وعلمية، لا أن تُشترى لمجرد التباهي أو لملائمتها لأثاث المنزل.

كما انها تعتمد عادة على فكرة العمل ونوع الإبداع الفني والابهار فيه، وعلى نوعية المواد المستخدمة، إلى جانب تجربة الفنان وشهرته، وصالة عرضه ومكانتها محليا وعالميا. و تختلف أهداف المقتني سواء كان متذوقا بسيطا ينجذب عاطفيا لعمل ما ويشتريه، او آخر يعتبره استثمارا او ثروة وطنية وإرثا للأجيال.

ازدهر عندنا اقتناء اللوحات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، سواء من قبل الأشخاص المتذوقين العاديين أو من قبل “ الكولكترز” جامعي الأعمال المستثمرين. لكن ظروف الحروب المتتالية والحصار وهجرة كثير من الفنانين منذ التسعينات حتى اليوم، جعل ذلك ينحسر تدريجيا، رغم بقاء الفن التشكيلي العراقي محافظا على مكانته المتقدمة في العالم العربي، وسعي ما تبقى من قاعات العروض الرسمية والأهلية الى تقديم الأفضل قدر الإمكان ، إلى جانب “نضال” صالات عرض محدودة من اجل الصمود والبقاء بوجه الجمود والجفاف الثقافيين.

ومؤخرا ونتيجة للاستقرار الأمني النسبي شهدت بغداد افتتاح صالات عرض أهلية جديدة، بينها صالة الأطرقجي في المنصور التي قدمت معرضا مبهرا لأربعة تشكيليين هم ستار لقمان وأياد الزبيدي وناطق عزيز وحامد سعيد، الذين تنوعت أساليبهم وموضوعاتهم والمواد المستخدمة في التنفيذ..

عند زيارتي المعرض سعدت بملاحظة تأشير بعض اللوحات بعلامات معينة تبين شراءها، وحين استفسرت من صاحب القاعة الشاب علي الأطرقجي عن الاقتناء ومدى رواجه حاليا، أكد لي ايضا اهمية توفر الاستقرار الأمني والقدرة المادية. لكن الأمر المحزن حقا هو ان هناك الآن الكثير من القادرين ماليا، لكنهم للأسف من فاقدي الثقافة والوعي الفني الذي يحفزهم على اقتناء الأعمال الفنية بدل شراء السيارات والعقارات.

وهذا الوعي يبدأ عادة منذ الطفولة ويتنامى في المدارس، لكن هذه وكما هو معروف ألغي في معظمها  درس التربية الفنية.

ومع ذلك يبقى الأمل في توجه الشباب على وجه الخصوص، بعدما ساهمت الميديا ووسائل التواصل الحديثة في نشر وتقديم الأعمال الفنية ، بالإضافة إلى استمرار اقبال بعض المقتنين من “النخبة” على الاعمال الفنية، ممن يقدرون أقيامها ويحرصون على شرائها.

عرض مقالات: