تعيش بلادنا ظروفا صعبة ومعقدة ووضعا سياسيا مأزوما، تعكسه حاضرا حالة التردي الاقتصادي والمعيشي، والاستعصاء السياسي بشأن تحديد الكتلة الأكبر التي ينبثق منها رئيس مجلس الوزراء القادم وحكومته، وأسس تشكيلها وطبيعة قواها.
وفي الوقت الذي تدعو فيه كتل سياسية الى تشكيل حكومة اغلبية وطنية، يضغط غيرها باتجاه تشكيل الحكومة على أساس توافقي، وفق الطريقة والنسق اللذين اعتمدا في الدورات الماضية، والذي يعني عمليا إعادة انتاج نهج المحاصصة الذي قاد إلى فشل أجهزة الدولة في تأمين الحد المقبول والمعقول من الخدمات، إضافة إلى تفشي الفساد والمزيد من انتشار السلاح خارج الدولة وتغول جماعاته، وازدياد التدخلات الخارجية في شؤون البلاد الداخلية، ما تسبب في تنامي التذمر والسخط الشعبيين وتفجر انتفاضة تشرين الواسعة ومطالباتها باحداث التغيير، حتى فرضت سقوط الحكومة آنذاك وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي جديد ومفوضية اعيد تشكيلها.
وجاء قرار المحكمة الاتحادية أخيرا باشتراط حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب لتحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، الذي لم يتم التوافق عليه في الإقليم، ليؤسس لاستعصاء آخر في عقد الجلسة، فيما تحدث عدد من النواب عن عزمهم الطعن مجددا في قرار مجلس النواب تكرار فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، من دون أي اهتمام لعامل الوقت والحاجة الماسة لاستكمال الاستحقاقات الدستورية، والى إقرار الموازنة واتخاذ خطوات عملية تستجيب لحاجات المواطنين واولوياتهم.
في ضوء هذه اللوحة السياسية المعقدة بات ملحا اعتماد رؤى ناضجة متكاملة للخروج من الأزمة العامة الشاملة التي يعيشها بلدنا، ومعالجة ما تراكم من ثغرات ونواقص، وإلى اعتماد برنامج واقعي ملموس ينطلق من الحقائق التي يعيشها البلد، واوضاعه السياسية والاقتصادية - الاجتماعية والأمنية.
لقد مضت خمسة أشهر على الانتخابات، وتم خرق المدد الدستورية لانتخاب الرئاسات ولمّا يحدث تطور يشي بقرب التوصل إلى توافقات وحلول للأزمة. وان لاستمرار حالة الاستعصاء انعكاسات سلبية على مجمل أوضاع البلاد، حيث يثير قلقا مشروعا لدى المواطنين وحالة ترقب وانتظار في الحياة الاقتصادية وغيرها، ما يزيد من فجوة عدم الثقة بين المنظومة السياسية المتنافسة والمتصارعة، وأغلبية أوساط الشعب، التي لا ترى في محاور ومضامين الصراع القائم ما يخفف بأوضاعها المعيشية الصعبة وهمومها، ومن ذلك مؤخرا ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وتأسيسا على ما تقدم، نرى، مع غيرنا، ضرورة العمل على ألا ينحصر موضوع الاختلافات والصراعات بالشخوص والحصص في المواقع وبكسر الارادات، وإنما أن تقترن المواقف بالمشروع والبرنامج الملموس والمحدد بتوقيتات زمنية، والذي تتعهد الأطراف السياسية بتنفيذه في حال تكليفها بتشكيل الحكومة. البرنامج الذي يعتمد منظورا سياسيا يتجاوز ما تم اختباره وثبت فشله.
ان هذه البرامج لابد لها ان تنشد التغيير، وان تستهدف القطيعة مع نهج ثبت في الواقع فشله وقاد الى الوضع الراهن بكل تعقيداته ومشاكله.
ونرى ان التجربة تقول بأهمية وضرورة تشكيل الحكومة انطلاقا من مبدأ الاغلبية السياسية، وعلى اساس برنامج يلبي اهداف شعبنا وانتفاضة تشرين، ومراعاة الكفاءة والمهنية والنزاهة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية، واعتماد هذه المعايير في اسناد الوظيفة العامة في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية.
ولتحقيق ذلك كان وما زال مطلوبا المزيد من الضغط والحراك الجماهيري والشعبي، لفرض إرادة المواطنين وكسر احتكار السلطة، وتعديل موازين القوى لصالح مشروع التغيير في اتجاه دولة المواطنة، والديمقراطية، بعيدا عن المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت.