اخر الاخبار

شهدت بلادنا في الأيام الأخيرة تطورات هامة لم تخل مما هو مأساوي، وقد تمثل هذا في سقوط شهداء وضحايا جدد. لذا فان كل اجراء وموقف يحقنان دماء العراقيين ويمنعان اراقة المزيد منها مرحب به. وهذا لا يعني بعدُ انتهاء الأزمة واختفاء عواملها التي دفعت الناس الى الشارع غاضبة محتجة. 

وقد اشرت التطورات الراهنة العديد من المعطيات، وبيّنت ان عدم الاستجابة العاجلة لمطالب المواطنين، والتشبث بالمواقف ذاتها وبالنهج نفسه المحاصصاتي الفاشل، لا يقود الا الى تفاقم عناصر الازمة، وان الأمور قد تأخذ مسارات خطيرة، جراء شدة الاحتقان السياسي والاجتماعي، وتفاقم تداعيات الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتردي الخدمات العامة، بجانب ارتفاع نسب الفقر والبطالة والتهميش وتغول مافيات الفساد والسلاح المنفلت. 

ان الموقف الوطني الحريص لا يمكن ان يتعامل مع آثار التطورات الأخيرة على وفق صيغة الغالب والمنتصر. فحقن الدماء مطلوب، لكنه لا يشكل باية صورة تفكيكا للازمة. . وما حصل من حالات الاحتجاج والتظاهر وتفجر الغضب الشعبي، يمكن ان يتكرر وباشكال غير محسوبة ان لم يتم التعامل المسؤول والملموس مع مطالب الجماهير، بهدف الإصلاح الجذري والتغيير الشامل. 

ان المطلوب الان وعلى نحو ملح هو استيعاب دروس ما حصل، وان يكون هناك توجه جدي، من دون تلكؤ او ابطاء او مناورات، نحو اجراء انتخابات مبكرة، وان تكون هناك منظومة انتخابية كفؤة تضمن عدالة الانتخابات والتمثيل الحقيقي لارادة العراقيين، وان يُحل مجلس النواب الحالي. 

 وتتوجب الإشارة الى ان الازمة التي يمر بها بلدنا هي على درجة من العمق، بحيث يتوجب التعامل معها وفق إجراءات جذرية تمس جوهرها وأسّها. ولذا بات مطلوبا وضع بلدنا على طريق التغيير الشامل، والسير على وفق مشروع وطني ديمقراطي يفضي الى إقامة دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية. وان تحقيق هذا المشروع يتطلب تغييرا في موازين القوى، وحشد إمكانات المواطنين المكتوين بنار الازمات، وكل القوى ذات المصلحة في تحقيقه، عبر مشاركة شعبية وجماهيرية واسعتين. 

ان ما آلت اليه أوضاع بلدنا يستلزم المزيد من الضغط الشعبي ورفع وتيرة هذا الضغط، وتوحيد رؤى وتوجهات وعمل قوى التغيير المدنية والديمقراطية، التي يتوجب ان تقدم مشروعها البديل. 

لقد حان الوقت لفرض مخارج حقيقية للازمة، بدلا من تدويرها وادامتها، في وقت بات فيه واضحا عجز القوى المتمسكة بنهج المحاصصة حتى عن التفكير بهذه المخارج. وهذا مطلوب وملح لتجنيب شعبنا المزيد من الكوارث والمآسي، والمزيد من الضحايا الغالية. 

وان طريق الحل واضح، يتلخص في دحر منظومة المحاصصة والفساد، وتحقيق البديل السياسي للنهج الفاشل والمدمر. وما من شك في ان هذا لن يأتي من الحكام المتشبثين بمصالحهم ومغانمهم وسلطتهم، بل يتوجب تحقيقه عبر حراك شعبي واسع، سلمي ومتعدد الاشكال. وان شعبنا، شعب الانتفاضات والثورات، لقادر على اجتراح المآثر والبطولات وفرض ارادته، رغم اخطبوط الفساد والسلاح المنفلت ومن يصرون على الحاق الاذى بالشعب. 

وان على الحكومة والمؤسسات المعنية تقديم الرعاية والعناية لعوائل الشهداء والضحايا، واتخاذ خطوات جادة وقرارات سريعة لحصر السلاح فعلا بيد الدولة، ومعاقبة كل من خالف القوانين والتعليمات.