اخر الاخبار

اعلن البنك المركزي العراقي يوم  الثلاثاء ( ١٣-١٢-٢٠٢٢ ) انه تسلم المبلغ المتبقي في صندوق تعويضات الكويت بقيمة تزيد عن سبعة ملايين دولار، واعيد المبلغ  بعد تدقيق الحسابات وفقا لقرار مجلس الامن الدولي، وبعد تسديد العراق كامل التعويضات التي بلغت ٥٢ مليار دولار وبمعدل ملياري دولار سنويا، كانت تستقطع من الموازنة الاتحادية. وتزامن هذا مع  ارتفاع احتياطي العملة وحيازة العراق من السندات الامريكية والذهب.  وكان قد اعلن في وقت سابق ان احتياطات البنك المركزي وصلت الى اعلى مستوياتها في تاريخ الدولة العراقية، متجاوزة ٩٠ مليار دولار، وان هناك وفرة مالية جراء ارتفاع صادرات النفط العراقية.       

هذه الأموال المتوفرة تبعث برسالتين متناقضتين. فمن جهة هي موضع ترحيب وأمل، خصوصا من جانب الفقراء والكادحين والمحرومين والمهمشين وذوي الدخل المحدود، الذين لم يجدوا لها حتى الآن وللأسف انعكاسا في أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، ولا اسهاما في انقاذ البلد مما هو فيه. لكن هذه الوفرة  تسبب في الوقت ذاته قلقا بشأن الكيفية التي سيتم بها التعامل معها، ووجهات توظيفها وصرفها، وحجم ما سيهدر او يسرق، كذلك إمكان استثمارها في مشاريع التسويق السياسي وشراء الذمم وتضخيم جهاز الدولة عبر التوظيف السياسي والزبائني، اضافة الى تضخيم عديد  التشكيلات المسلحة والأمنية ورفدها بالانصار والمريدين، بل وتوظيفها في مشاريع استعراضية وحتى وهمية، كما كشفت النزاهة مؤخرا.

الحريصون على العراق ومستقبله ورفاه وسعادة شعبه،  يرون في هذه الوفرة فرصة قد لا تعوض لاعادة توزيع الدخل وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، وبضمن ذلك تأمين التقاعد للمواطنين جميعا، وتفعيل نظام الرعاية الاجتماعية والصحية وإعانات العاطلين عن العمل، وتوفير السلال الغذائية المدعومة لمن يستحقونها، وبناء اقتصاد قوي متنوع ومتعدد المصادر، مع تنمية القطاعات المنتجة مثل الصناعة والزراعة، واعمار البنى التحتية، والتقليل التدريجي من الاعتماد على الريع النفطي، واتباع سياسة مالية ونقدية واقتصادية توجد ركائز قوية للتنمية المستدامة، وإيجاد فرص عمل للمواطنين وتوفير الخدمات العامة، لاسيما في قطاعات الكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والتعليم والنقل والسكن، لهم جميعا. 

ان الحكومة ومجلس النواب مطالبان اليوم وقبل كل شيء بإعلان صريح وواضح للرأي العام عن هذه الوفرة المالية الموجودة، والوجهة التي ستستخدم فيها. ونحن نقول هذا استنادا الى دراسات تذكر ان في العراق منذ سنة ٢٠٠٣ حتى سنة ٢٠٢٠ وفرة مالية قدرها ١١٠ مليارات و٦٣٢ مليون دولار، وهو ما لم تفصح عنه الحكومة ووزارة المالية ولا مجلس النواب!

وحيث يجري الآن اعداد موازنة ٢٠٢٣، التي تأخرت رغم الوعود  بانجازها في وقت مبكر، فلابد من تأكيد أهمية وضرورة ان تصاحبها الحسابات الختامية، التي جرى التغاضي عنها طيلة السنوات الماضية، رغم الأصوات المطالبة بالكشف عنها وتقديمها الى البرلمان. وفي هذا السياق يُذكر ان الموازنات السابقة كانت تقدم بعجز، ليتضح لاحقا انها جميعا انتهت بوفرة، وان الاستثناء الوحيد كان في سنة ٢٠٠٩.

ولقد بات ضروريا وملحا اعتماد موازنة تنموية متوازنة،  يخصص حيز جيد فيها للمشاريع  الاستثمارية ولتشجيع الاستثمار الوطني والمختلط والأجنبي، وان يكون التركيز فيها على المشاريع ذات البعد التنموي الداعمة للاقتصاد الوطني ولتلبية حاجات المجتمع من البضائع والحاجات باختلاف أنواعها، وتوفير مستلزمات تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي. وهذا يتطلب تغييرا جذريا في وجهة اعداد  الموازنة والسياسة الاقتصادية – والاجتماعية المعتمدة فيها.

ان التوظيف السليم للموارد وللوفرة المالية الراهنة، يوجب الشروع فورا بتأسيس الصناديق السيادية المتعددة، وان توكل اليها إقامة المشاريع العامة متوسطة المدى والاستراتيجية، وان تكون لها هيئاتها المستقلة والمتخصصة، المكونة من ذوي الكفاءات الوطنيين والنزيهين والمهنيين.

وانطلاقا من حقيقة ان لا تنمية بوجود الفساد المستشري، يتوجب اطلاق الحملة الوطنية لمكافحة الفساد ولفتح ملفاته الكبيرة والصغيرة، وتقديم المسؤولين عنها  الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، بعيدا عن المحاصصات والصفقات والتوافقات السياسية والمناطقية والاجتماعية والعشائرية، وهذا هو المطلوب اعتماده أيضا في اسناد الوظيفة العامة.

  ويبقى مطلوبا وملحا دور الرقابة الشعبية والضغط الجماهيري، والحراك الدائب لكل القوى المتطلعة الى إقامة عراق مختلف يستحقه العراقيون، بعد طول صبرهم ومعاناتهم.