يحتفل أبناء شعبنا العراقي ومنهم المسيحيون في بلادنا، هذه الأيام، بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية. وفي هذه المناسبة نتقدم بالتهاني والتبريكات لشعبنا باطيافه المتآخية، والى شعوب العالم كافة، متمنين للجميع السعادة ودوام الافراح، وان يعم بلدنا وربوع المعمورة السلام والأمان والازدهار.
تنقضي بعد أيام معدودة سنة 2022 وترحل معها صفحات احداث كثيرة مرت على شعبنا العراقي، سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، تسببت في العديد من الازمات وحالات الاحتقان والاستعصاء السياسي.
فمنذ ان رفعت خيم اعتصام انتفاضة تشرين وحتى يومنا هذا، عملت القوى المتنفذة على معاقبة المنتفضين والمحتجين وغالبية العراقيين، وكأنهم يريدون الانتقام منهم لمطالبتهم بالتغيير وببناء الدولة على أساس المواطنة واحترام حقوق الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، بدل دولة المكونات والمحاصصة المشؤومة والفساد. الذي غدا منظومة متكاملة واخطبوطية، تستند الى السلطة والقوة.
وبدل ان تغدو انتخابات 2021 مخرجا للبلاد من أزماتها، فانها في المحصلة عمقت من تداعيات تلك الازمات، واستفحل إثرها الصراع على المال والنفوذ والسلطة، وهيمنت قوى المنظومة الحاكمة على مقاعد مجلس النواب، وفشلت كل محاولات حل الازمة وتشكيل حكومة بعيدة عن النهج المتبع، بسبب تعنت هذه القوى واصرارها على بقاء ذات الطريقة الفاشلة السابقة للحكم ولإدارة الدولة، كونها تعي تماماً ان غير ذلك يعني مواجهتها مصيرها المحتوم، والمثول امام القانون جزاء ما سببت من خراب طيلة فترة حكمها الفاشل.
وكانت لنتائج فشل منظومة المحاصصة والفساد تبعات كثيرة، عانى منها شعبنا العراقي في صعوبات العيش، وارتفاع نسب البطالة، وسوء الخدمات الصحية والتعليمية، وزيادة معدلات الفقر والتمايز الاجتماعي والطبقي ، وتنامي ظواهر أخرى مقلقة منها انتشار المخدرات وتزايد العنف المنزلي والخطف والاغتيال وحالات الطلاق، وتكرار الاعتداءات على سيادة بلدنا دون مواجهتها بمواقف واضحة وحازمة من طرف القائمين على الحكم.
وبعد استعصاء سياسي مرير، جاء تشكيل الحكومة الحالية على وفق النهج المعهود والمجرب ذاته، وتمكنت قوى منظومة الحكم من بسط سيطرتها وتعزيز هيمنتها في مجلس النواب، مقابل مجموعة صغيرة من النواب المعارضين، ما يعني إمكانية إقرار المزيد من الإجراءات التي تتقاطع مع تطلعات الشعب والمنتفضين. وقد جرى التراجع عبر التصريحات الرسمية عن التوجه نحو اجراء الانتخابات المبكرة، وهو المطلب الشعبي الكبير، إضافة الى سعي المتنفذين لتمرير تشريعات مرفوضة، تخنق حق التعبير وتجرّمه بل وتؤبّد وجودهم في السلطة.
الا أن ساحات الاحتجاج لم تقف مكتوفة الايدي امام هذا التعنت الغريب، بل سعت الى بلورة شعاراتها ومطالبها وتوحيد حركتها وعملها. وكان المؤتمر الكبير الذي عقدته قوى التغيير الديمقراطية في بغداد مظهرا لافتا للتحرك في هذا الاتجاه، حيث تعمل هذه القوى على طرح برنامج سياسي أساسه بناء الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية. كذلك لم يكف الحراك الاجتماعي والاحتجاجي عن الظهور يومياً في الشوارع والساحات وامام مؤسسات الدولة، مطالبا بتوفير لقمة العيش الكريمة والخدمات العامة وفرص العمل.
في العام الجديد الذي سيطل علينا بعد أيام، سيواصل الحزب الشيوعي العراقي كما هو ديدنه، وبالتنسيق والتعاون والتحالف مع جميع القوى الناشطة من اجل التغيير الشامل، العمل على تفعيل الجهد والزخم الشعبيين والضغط الجماهيري، والارتقاء بالحراك المجتمعي متعدد الاشكال نحو فرض إرادة الجماهير، والاستجابة لمطالب الناس، وحشد طيف واسع سياسي واجتماعي لتغيير موازين القوى، ووضع بلدنا على طريق جديد يفضي الى السلام والاستقرار، وتحقيق الامنيات بعراق جديد يليق بتضحيات بناته وابنائه، عراق للمحبة واحترام الحريات العامة والخاصة والوئام والتآخي بين أطياف شعبنا .
نجدد التهاني لابناء شعبنا في هذه المناسبات والاعياد، التي نريدها حافزا إضافيا لشحذ الهمم، وللارتقاء بالعمل ومواصلة النضال من اجل دحر منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، والسير قدما نحو عراق آمن يرفل شعبه بالعيش الكريم والحر.