اخر الاخبار

قبل 75 عاماً وفي الخامس عشر من كانون الثاني، وقع صالح جبر رئيس وزراء العراق أنذاك، وعلى متن البارجة البريطانية فكتوريا، الراسية في ميناء بورتسموث، معاهدة مع حكومة المملكة المتحدة، سميت معاهدة بورتسموث أو (جبر – بيفن)، بدعوى تعديل بنود معاهدة 1930 الجائرة، وتحسين موقع البلاد على درب الإستقلال التام.

ولم تمض سويعات على هذا الإعلان المشؤوم، حتى إنطلق حراك ثوري واسع، ساهمت فيه جماهير الشعب بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية، من العمال والطلبة والمثقفين والكادحين، الذين رأوا في المعاهدة الجديدة، تكريساً لسيادة مزيّفة وإستمراراً لإسترقاق البلاد وتشديداً لتبعيتها للمستعمر الإنكليزي. وشهدت أيام الحراك تلاحماً بين أبناء الشعب، تمثل في التمسك بالهوية الوطنية الجامعة، المنزهّة من أدران التعصب الطائفي والأثني والحزبي، وتنسيقاً متميزاً بين المنتفضين وطلائعهم السياسية، عبر التمسك بوحدة الإرادة والعمل في ظل إحترام التنوع، ووضوحاً للرؤية والمطالب الحقة، وصموداً بطولياً أمام القمع الدموي الذي شنته أجهزة النظام الملكي، والذي أسفر عن استشهاد عشرين شهيدا منهم جعفر الجواهري وقيس الآلوسي وشمران عواد وجاسم حمادي وحسن القهواتي ورشيد الأعظمي ومنعم مهدي الوادي، وعشرات الجرحى، إلى جانب الاعتقالات التعسفية التي شملت المئات من الممنتفضين. وكان بديهياً أن يثمر هذا الحراك الباسل عن إسقاط المعاهدة والمسؤولين عنها، وتحقيق خطوة مهمة على طريق الخلاص من الاستعمار وأعوانه، والذي تحقق بثورة 14 تموز المجيدة بعد عقد من الزمان.

ولم تحقق الوثبة هذا النصر وحده، بل مهدت لقيام سلسلة من الإضرابات العمالية كإضراب عمال عين زالة، وعمال نسيج الأعظمية والكاظمية وفتاح باشا، وعمال ميناء الفاو وعمال الكهرباء والسكك، ولسلسلة من النشاطات الطلابية التي أثمرت عن إنعقاد مؤتمر السباع وولادة أول إتحاد طلابي في العراق، إضافة لإنتزاع العديد من الحقوق الوطنية والاجتماعية. ومهما سعى بعض المزيَّفين اليوم، والمتباكين على ماض مرير، لأيهام الناس والإدعاء بوجود إمتيازات إيجابية في المعاهدة التي أسقطتها الوثبة، فإن حقائق التاريخ قد أثبتت دقة وعي أبطالها وصحة قراراتهم، تماماً كما عكست ذلك الوثائق البريطانية التي تم الكشف عنها بعد سنين.

واليوم، إذ يحتفي شعبنا بالذكرى الماسية للوثبة، ويحيي بإجلال وحب المشاركين البواسل فيها، وفي طليعتهم مناضلو حزبنا الشيوعي العراقي، الذين إجترحوا مأثرة تفجيرها وقيادتها وإدامتها، يستلهم العزم على مواصلة الكفاح لتخليص بلادنا من أتون الأزمة التي تعيشها وتحقيق التغيير الشامل، الذي ينبثق عنه نظام ديمقراطي فيدرالي حقيقي، خال من المحاصصة والفساد، يحمي إستقلال البلاد وكرامتها ويوفر الحرية والعدالة الاجتماعية لأبنائها، نظام يقضي على الفقر والجوع والأمية والبطالة والخوف وكل أشكال التمييز.

إن بلوغ هذه الأهداف النبيلة يتطلب من كل الخيّرين إبقاء شعلة الحراك الشعبي متقدة دوماً، والتمسك باليقين الثوري والثقة بقدرة شعبنا وبعمق تقاليده النضالية، وإتقان فن سماع رفاق المسيرة والتفاعل مع مختلف الآراء، والجمع بين الحكمة والحماس، وتحديد الأولويات وفي مقدمتها إدراك نبض الجماهير ومشاركتهم آلامهم وأحلامهم والتعرف على طموحاتهم، فبوحدتنا القائمة على الحرية والتنوع ووضوح الهدف، يمكن أن يتحقق التغيير، ونجدد الوثبة، التي ستبقى نجماً ساطعاً في تاريخ العراق المعاصر، ينير لنا طريق التقدم والظفر.

وفي هذه المناسبة اذ نحيي انتفاضة تشرين ٢٠١٩ وشهداءها البررة ونطالب بمحاكمة القتلة والمجرمين، نؤكد من جديد عزمنا على العمل مع كل القوى التي تنشد التغيير الشامل والحقيقي على زيادة زخم الضغط الجماهيري لانتزاع الحقوق وفرض إرادة الشعب وتطلعه الى حياة جديدة يستحقها العراقيون على اختلاف اطيافهم.