اخر الاخبار

مرت يوم أمس الذكرى الستون لواحدة من أبشع الجرائم الفاشية في التاريخ الحديث، يوم أطبقت حفنة من البغاة أشداقها المتعطشة للدماء، على قلب الوطن، فوأدت ثورة 14 تموز المجيدة وإغتالت قادتها وأعملت القتل والتنكيل في خيرة بنات وأبناء شعبنا وحطمت ما تحقق من إنجازات على صعيد الإستقلال السياسي والتقدم الاجتماعي وتأمين الحرية والعدالة الاجتماعية.

مرت يوم أمس الذكرى الستون لإنقلاب 8 شباط الأسود، يوم نجح تحالف بغيض بين بقايا الإقطاعيين وشركائهم من الكومبرادور والبرجوازية العقارية والبيروقراطية العسكرية المشبعة بالفكر الرجعي والشوفيني، وبدعم وتمويل من الدوائر الإستعمارية في الغرب، في إسقاط حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم، وتنصيب عصابة من سقط المتاع على السلطة، سارعت الى إطلاق قطعان الحرس القومي في القرى والمدن، لتعتقل وتعذب وتقتل الآلاف من العراقيين، ديمقراطيين وشيوعيين ووطنيين مستقلين، من العرب والكرد والتركمان وبقية المكونات المتآخية، ولترتكب جرائماً يندى لها الجبين، بقيت وتبقى وصمة عار تلاحق مرتكبيها، ممن لفظهم شعبنا وألقى بهم في مزبلة التاريخ.

وكان بديهياً تماماً، حين يسبح الوطن الجميل بالدم وتغطي الطواطم والحشرات سماءه البهية ويتصاعد أنين الناس وتُغتصب الصبايا وتُهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، أن تكون للشيوعيين كلمة المقاومة الأولى، فهب الفتية الذين علّموا الدنيا معنى الصبر والوفاء، ليتصدوا للفاشست بصدورهم العارية، وليرتفعوا في سماء العراق نجوم هداة، سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وحسن عوينة ونافع يونس وأبو العيس وعبد الرحيم شريف وجورج تلو والمئات من قادة وكوادر وأعضاء حزبنا الشيوعي العراقي، الذين أبوا الا أن يُّبقوا راية الحزب والشعب خفاقة دوماً.

ورغم كل ما تركته السنوات الستون في الذاكرة من مرارات، فإن دروس ما حدث أوسع من مناسبة للتعبئة، وأعمق من وقفة للتأمل، وأشمل من فرصة للتضامن والتعاضد، لأنها تعلّمنا كيف تمّكن الشيوعيون وكل الخيّرين من صيانة مذاق الوطن ولون الأرض وشميم العشق، وكيف تحول الشهداء والضحايا الى شهود، وكيف صارت كلماتهم فعلاً نضالياً له كل ذاك المذاق وكل ذاك العطر وكل بهاء اللون، وكيف بقيت أفواج المناضلين من أجل حرية هذا الوطن وسعادة هذا الشعب، متواصلة ووفية لعهودها.

ويأتي في مقدمة تلك الدروس التمسك بالهوية الوطنية الجامعة، التي سعى إنقلابيو شباط لتمزيقها، وصيانة وحدة هذه البلاد أرضاً وشعباً، وعدم التهاون مع أي إنتهاك لقيم الحرية والديمقراطية والتصدي لمن يريد وأدها، وإتخاذ العدالة الإجتماعية هدفاً يعيد توزيع الثروة الوطنية بين الناس ويقضي على الفقر، ويضمن إستثمار خيرات البلاد لتقديم أفضل الخدمات الأساسية لأبنائها، من تعليم وصحة وسكن وعيش لائق، ومن فرص عمل، تضمن إشباع الحاجات الروحية والمادية للناس. كما تعلمنا دروس المذبحة بأن خطط البغاة وأسيادهم المستعمرين لم تكن لتحقق نجاحاً لو كانت قوى الشعب الوطنية موحّدة في إطار تنوعها، ولو تمكّن الخيّرون من تطهير أجهزة الدولة من الفساد والفاسدين، ولو حُصر السلاح بيد الدولة، وتم إعتماد مبدأ تكافؤ الفرص في كل مجالات الحياة، وإعتُمد التداول السلمي الديمقراطي منهجاً في الحكم. 

إن شعبنا الذي يستذكر مأساة شباط الأسود هذه الأيام، يتطلع لوحدة قواه الوطنية المخلصة في نضالها المشترك والعنيد، من أجل تغيير موازين القوى لصالح الشعب، وتحقيق التغيير الشامل وإخراج البلد من الأزمة العميقة التي يعيشها في ظل نظام المحاصصة، والتي سببت له خراباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مريراً، ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي إتحادي يصون استقلال البلاد وسيادتها، ويقضي على الفساد ويحصر السلاح بيد الدولة ويطلق إستراتيجيات تنموية تعتمد الشفافية والمساءلة والتكافل الاجتماعي، وتعالج الفقر والبطالة والأمية ونزعات العنف وتدني مستويات الوعي، وتحقق العدالة الاجتماعية.

وإذ ننحني في الذكرى، تمجيداً لشهداء شباط الأسود، نطالب، ومعنا كل الخيّرين، الدولة العراقية، بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بإنصاف ضحايا المجزرة، ورد الإعتبار القانوني والمعنوي لهم، وطرح سيرهم العطرة وبطولاتهم في الإعلام والمناهج المدرسية، لتتعلم الأجيال الشابة كيف إجترح أولئك البواسل مأثرة التصدي للفاشست، وكيف كانت أرواحهم ثمناً لنضال أسفر لاحقا عن تخليص العراق من الطغاة .

المجد والخلود للشهداء.

الظفر لشعبنا في كفاحه من أجل عراق ديمقراطي مزدهر، خال من المحاصصة والفساد.

الخزي والعار لإنقلابييّ شباط وكل الفاشيين والدكتاتوريين.